المنحة الإلهية
في شرح وتوجيه القراءات القرآنية
فرش حروف سورة
البقرة
لتحميل عرض البوربوينت اضغط هنا
لتحميل الشرح حلقة فيديو اضغط هنا
)الٓمٓ( [1]
قرأ أبو جعفر
بالسكت على أنها أسماء حروف لها معاني ينبغي الوقف عليها وإن اتصلت خطًا ، وقراءة
الجماعة على أنها حروف.
(وما يخادعون.. وما يخدعون)
)يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ
وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٩([2]
قرأ الكوفيون وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بإسكان الخاء والقصر (وما يخدعون)
وقرأ باقي القراء بفتح الخاء والقصر (وما يخادعون)
والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به ، وحجة من قرأ بالقصر (يخدعون) أن
في ذلك بيان لمعنى الفعل الأول (يخادعون الله) وتنبيهًا على أن المفاعلة واقعة من
طرف واحد كما في قولهم (عاقبت اللص) وتنبيهًا على أنه فعلهم من غير معالب ومن غير
مبارٍ[3].
وحجة من قرأ بالمد (يخادعون) إجراء الثاني على لفظ الأول طلبًا للمشاكلة.[4] ويُحتمل
أن تكونَ المفاعلةُ على بابها، أعني صدورَها من اثنين، فهم يُخادعون أنفسَهم، حيثُ
يُمَنُّونَها الأباطيلَ، وأنفُسُهم تخادِعهم حيث تُمَنِّيهم ذلك أيضاً فكأنها
محاورةٌ بين اثنين[5].
والمخادعة تكون بين اثنين وخداعهم مع الله ليس
على ظاهره لأنه تعالى لا يخفى عليه خافية ولأنهم لم يقصدوا خديعته بل المراد إمّا
مخادعة رسوله أو أوليائه على حذف المضاف لأنهم لم يعتقدوا أنّ الله بعث الرسول
إليهم فلم يكن قصدهم في نفاقهم مخادعة الله تعالى فعلم أنّ خداعهم مع الله ليس
المراد ظاهره كما في قوله تعالى: (واسأل القرية) (يوسف، 82) أي: أهلها أو على أنّ
معاملة الرسول معاملة الله تعالى من حيث أنه خليفته كما قال تعالى: (من يطع الرسول
فقد أطاع الله) (النساء، 80) )إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) (الفتح، 10)[6].
وقد يطلق الحكم على المعنى عبارة على حسب اعتقاد
المخاطب والمخبر عنه لأعلى ما عليه حقيقة الأمر كقوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي على زعمك، قيل: " من خدعك وقد عرفت خديعته فقد خدع
نفسه "، ومعلوم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، فمن خادعه فقد خدع نفسه[7].
)فِي
قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ
مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ
أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ١٠([8]
قرأ الكوفيون بالتخفيف(يَكْذِبُونَ) وقرأ باقي
القراء بالتشديد (يُكَذِّبُونَ)، والكذب: الإخبار بالشئ على غير حقيقته، وكان
مصدرية في القراءاتين والتقدير (بكذبهم) أو (بتكذيبهم)
وحجة من خفف أنه حمله على ما قبله لأنه تعالى
قال )وَمَا
هُم بِمُؤۡمِنِينَ([9]، فأخبر أنهم كاذبون في قولهم )ءَامَنَّا
بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ([10] ثم قال ) وَلَهُمۡ عَذَابٌ
أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ١٠([11] أي بكذبهم في قولهم، وأيضًا محمول على ما بعده في قوله ) وَإِذَا
لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ
شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ
مُسۡتَهۡزِءُونَ ١٤([12] فقولهم لشياطينهم إنا معكم دليل على كذبهم في قولهم للمؤمنين آمنا.
وحجة من قرأ (يُكَذِّبُونَ) بالتشديد أنه حمله
على ما قبله أيضًا، وهو قوله )فِي قُلُوبِهِم
مَّرَض(
والمرض هو الشك ومن شك في شئ لا يقر بصحته وكَذَبَه وجحده.
والتكذيب أعم من الكذب، وذلك أن من كَذَّبَ
صادقًا فقد كَذَبَ في تكذيبه، والقراءتان متداخلتان ترجع إلى معنى واحد، لأنَّ من كذب رسالة الرسل وحجة
النبوة فهو كاذب على الله، ومن كذب الله وجحد تنزيله فهو مكذب بما أنزل الله.[13]
قيل وأخواتها
قرأ هشام والكسائي ورويس بإشمام الضم في أوائلها جميعًا ، وقرأ ابن ذكوان
بالإشمام في (سيء وسيئت وسيق وحيل) وقرأن نافع في (سيء وسيئت) فقط، وقرأ باقي
القراء بترك الإشمام في جميعها.
حجة من قرأ بالإشمام في هذه الأفعال، أصلها أن تكون مضمومة لأنها أفعال لم
يسم فاعها، والأفعال الماضية إذا بنيت لما لم يسم فاعله يضم أوله ويكسر ما قبل
أخره، منها أربعة أصل الثاني منها واو وهي (سيء وسيق وحيل وقيل) ومنها فعلان أصل
الثاني منها ياء وهما (غيض وجيء) وأصلها يكون (سُوِيَ، وقُوِلَ، وحُوِلَ، وسُوِقَ،
وغِيضَ، وجِيء)ثم ألقيت حركة الثاني منها على الأول فانسكر وحذفت ضمته ، وسكن
الثاني منها ، ورجعت الواو إلى الياء لانكسار ما قبلها وسكونها ، فمن أشَمَّ
أَوائلها الضم أراد أن يبين أن أصل أوائلها الضم، كما من أمال الألف في (رمي وقضى)
أراد أن يبين أن أصل الألف الياء.
وعلة من كسر أوائلها أنه أتى بها على ما وجب لها من الاعتلال كمن أتى من لم
يمل (رمى وقضى) ونحوه[14].
(وهو وهي فهو فهي لهو لهي ثم هو ثم هي يمل هو)
قرأ جميعها بإسكان الهاء أبو جعفر، وقرأ بإسكان الهاء بعد الجميع عد (يمل
هو) الكسائي وقالون ، وقرأ بإسكان الهاء بعد الواو والفاء واللام أبو عمرو، وقرأ
بضم الهاء في (هو) وكسرها في (هي) باقي القراء.
وحجة الإسكان أنها لغة من لغات العرب، فمن أسكن بعد (الواو الفاء واللام)
على أنها حروف عطف لا يوقف عليها منفردة فألحقت بها، ومن أسكن بعد ثم على أن (ثم)
حرف عطف فألحق بحروف العطف السابقة ومن أسكن بعد (يمل) على أنها كلمة مثل (ثم)
يمكن الوقف عليها.
وحجة من حرك على أصل ضم الهاء في (هو) وكسرها في (هي) قبل دخول هذه الأحرف
عليها.[15]
وقال الفارسي في حجة القراءات: فالحجة لمن أسكن: أنه لما اتصلت هذه الهاء
بهذه الحروف أسكنت تخفيفا كما أسكنت لام الأمر في قوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)[16].
والحجة لمن ضم: أنه أتى بلفظ الاسم على أصله قبل دخوله هذه الحروف عليه.[17]
(فَأَزَلَّهُمَا .. فَأَزَالَهُمَا)
) فَأَزَلَّهُمَا
ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ ([18]
حجة من قرأ بالألف بعد الزاي أنه من الزوال، وهو التنحية، واتبع في ذلك
مطابقة معنى ما قبله على الضد، وذلك أنه قال (يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ
ٱلۡجَنَّةَ)[19]
فأمرهما بالثبات في الجنة مع الطاعة وضد الثبات الزوال، وهو مطابق أيضًا لما بعده
من قوله (فَأَخۡرَجَهُمَا
مِمَّا كَانَا فِيهِۖ) والخروج عن
المكان هو الزوال عنه.
وحجة من قرأ بغير ألف، إجماعهم على قراءة (إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ)[20] أي
أكسبهم الزلة فليس للشيطان القدرة على زوال أحد إنما قدرته على إدخال الإنسان في
الزلل، فيكون سببًا في زواله من مكان إلى مكان بذنبه، ويقوي ذلك قوله (فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ)[21]
(آدَمُ .. كَلِمَاتٍ) و (آدَمَ كَلِمَاتٌ)
)فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ
كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٣٧([22]
قرأ ابن كثير بنصب (آدم( ورفع (كلمات)، وقرأ باقي القراء برفع (آدم) ونصب
(كلمات). وحجة النصب أن الكلمات هي التي استنقَذَتْ آدام بتوفيق الله لها، لقوله
إياها، والدعاء بها، فتاب الله عليه، فكانت هي التي أنقذته ويسرت له التوبة من
الله فهي الفاعلة، وهو المستَنْقَذُ بها، وكان الأصل أن يقال (فتلقت آدمَ من ربه
كلماتٌ) فذكر الفعل لأن الكلمات مؤنث غير حقيقي.
وحجة الرفع أنه جعل (آدم) هو الذي تلقى الكلمات لأنه هو الذي قَبِلَها ودعا
بها وعمل بها فتاب الله عليه[23].
وقال الفارسي: فالحجة لمن رفع آدم: أن الله تعالى لما علّم آدم الكلمات
فأمره بهن تلقّاهنّ بالقبول عنه. والحجة لمن نصب آدم أن يقول: ما تلقّاك فقد
تلقّيته وما نالك فقد نلته. وهذا يسمّيه النحويون: المشاركة في الفعل.[24]
والكلمات هي (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك لا إله إلا أنت
ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)[25]
(لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا ... لِلْمَلاَئِكَةُ اسْجُدُوا)
)وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ
ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ
مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٤([26]
قرأ أبو جعفر بضم تاء الملائكة (لِلْمَلاَئِكَةُ اسْجُدُوا) وخفضها باقي
القراء.
قال ابن الجزري في النشر: ووجه الإشمام أنه أشار إلى الضم تنبيها على أن
الهمزة المحذوفة التي هي همزة الوصل مضمومة حالة الابتداء، ووجه الضم أنهم
استثقلوا الانتقال من الكسرة إلى الضمة إجراء للكسرة اللازمة مجرى العارضة، وذلك
لغة أزد شنوءة، عللها أبو البقاء أنه نوى الوقف على التاء فسكنها ثم حركها بالضم
اتباعا لضمة الجيم[27].
وقال ابن جني: إنها على لغة أزد شنوءة وهي من باب إجراء الوصل مجرى الوقف، فنوي
الوقف على التاء فسكنها ثم حركها بالضم إتباعًا لضمة الجيم، وهذا من المماثلة
المدبرة فالصوت الأول تأثر بالثاني[28]
وهناك معنى بلاغي آخر وهو أن السجود لله رفعة وليس خفض، فكأنه رفع مراعاة
للحال، فالساجد يوشوش الأرض بتسبيحاته ودعائه فيرتفع همسه ومناجاته ودعواته إلى
السماء في عليائها، فربما أشار بهذه القراءة إلى هذا المعنى.
(فَلاَ
خَوفٌ عَلَيهِم) .. (فَلا خَوْفَ عَلَيهُم)
)فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ
عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٨([29]
قرأ يعقوب منفردًا بفتح الفاء من ( فلا خَوفَ) وقرأ الباقون بالتنوين
والرفع (فلا خوفٌ)
قراءة الفتح بجعل خوف اسم مبني بعد لا النافية للجنس التي تفيد التبرئة[30]،وخوف
هنا مبني على الفتح فهو يفيد معنى الاستغراق، بمعنى أنه لا يخاف عليهم خائف فهم
بمأمن من أي نوع من أنواع الخوف. ومن قرأ بالرفع والتنوين على أنها اسم لا التي
تعمل عمل ليس.
[1] سورة البقرة الآية 1
[2] سورة البقرة الآية 9
[3] شرح الفاسي على الشاطبية صـ 614
[4] الفاسي على الشاطبية 614
[5] الدر المصون 1/127
[6] السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
الخطيب الشربيني 1/23
[7] تفسير
الراغب الأصفهاني 1/97
[8] سورة البقرة الآية 10
[9] الآية السابقة
[10] سورة البقرة الآية 8
[11] سورة البقرة الآية 10
[12] سورة البقرة الآية 14
[13] الكشف عن وجوه القراءات السبع، هذا وقد عكس الفاسي في شرحه على الشاطبية
علل التخفيف والتكذيب فتنبه.
[14] الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها ـ مكي بن طالب صـ 231
[15] الكشف لمكي بن طالب 263
[16] سورة النور الآية 22
[17] الحجة في القراءات السبع 1/37
[18] سورة البقرة الآية 36
[19] سورة البقرة الآية 35
[20] سورة آل عمران الآية 155
[21] سورة الأعراف الآية 20
[22] سورة البقرة الآية 37
[23] الكشف لمكي بن طالب صـ 238
[24] الحجة للفارسي 1/75
[25] شرح الفاسي على الشاطبية 2/621، وانظر البحر المحيط 1/209،
والنسفي 1/42
[26] سورة البقرة الآية 34
[27] النشر في القراءات العشر لابن الجزري 2/210
[28] التوجيه اللغوي للقراءات التي انفرد بها القراء الثلاثة المكملين
للعشرة. محمد أحمد ناصر العودات
[29] سورة البقرة الآية 38
[30] انظر النشر 1/176