أحلام وُئدت وآمال تَبددت
مدرسة/ حمود بن حمد بن سيف الحضرمي
اجتمع لهذه المدرسة الأهلية العظيمة,
المنيرة بين صخور الجبال المحيصة بسكناها, قرية فلج المراغة ، مالم يجتمع لغيرها ،
فقد كان من سميت على اسمه الشيخ حمود بن حمد بن سيف الحضرمي , رجلاً معروفًا بحبه
للقرآن وأهله , مضيافًا كريًما محبًا للإنسانية, يزور الكبير والصغير, والصحيح
والمريض، والحامل والنفساء, كان صاحب فضل وسخاء, وكان من آماله أن تكون في قريته
مدرسة يتعلم فيها أهل فلج المراغة القرآن , ووافته المنية قبل أن يشرع في هذا
العمل ، لكنه صدق الله فصدقه الله فقام أبناؤه ببناء المدرسة وقد كان ما آمله
أبوهم .. ثم أتى الله بيَ من بلاد بعيدة
لنتمم ما تمناه الرجل في حياته , وقد كان له ما تمنى, فقد قدمت المدرسة في عامين
مالم تقدمه مدرسة في سلطنة عمان.
فأول ما قدمت دورة في الوقف والابتداء.
في مدة خمسة أيام للرجال والنساء وافتتح
الدورة الدكتور/ سالم بن مبارك الرواحي حفظه الله
ثم دورة في رسم القرآن الكريم
في مدة أسبوع للرجال والنساء
ثم توالت الدورات الطويلة والقصيرة على
مدار العامين يأتيها الناس من كل مكان ، يأتيها الناس من العامرات ، وقريات ،
وبركاء ومسقط ونزوى وبدية وغيرها من القرى والولايات المجاورة ، فنجا وبدبد ولزع
ونداب وإبراء ، وقد تخرج من هذه المدرسة عدد لا يحصى.
فقد تخرج منها تاليًا لرواية حفص عن عاصم
الكوفي أكثر من سبعين رجلاً وسيدة على دورات متتالية طوال العامين.
وتخرج منها تالياً لرواية ورش عن نافع
أكثر من خمسين رجلا وسيدة على دورات متتالية منهم من كان من ولاية بدية الآخ
الكريم/ خالد بن مسلم الراشدي حفظه الله وأيده بمدد من عنده على مدار العامين.
وتخرج منها تاليًا لروايتي خلف وخلاد عن
حمزة عشر رجال، منهم أربعة من ولاية نزوى.
وأما مشروع الحفظ فيها فحدث بكل فخر.
فقد تقدم أكثر من سبعين رجلا وسيدة لحفظ
القرآن الكريم.
أتم في عام واحد حفظ كتاب الله أكثر من
خمس عشرة امرآة منهم من نفس بلد الشيخ حمود رحمه الله وتحقق أمله فقد حفظ من أبنائه
اثنتان ، ومن أحفاده وسبطه اثنتان. والبقية في طريقهم للتمام.
وحفظ من سمائل الولاية سيدة ومن وادي قري
سيدة ، ومن سيما العلاية اثنتان. وباقيهم من فلج المراغة. أدام الله عزها وأدام الله
على أهلها الخير.
ومن الرجال أكثر من عشرة متتابعين وصل
بعضهم إلى سورة التوبة والبقية خلفه يسعون حفظًا وحبًا في كتاب الله.
ومن الأطفال والغلمان
أتم ثماني عشرة فتاة في عمر العشر سنوات
حفظ عشرة أجزاء من كتاب الله تعالى.
وأتم في عمر الثمان سنوات حفظ خمسة أجزاء
من كتاب الله.
وفي عمر السبع سنوات حفظ من جزئين لثلاثة
أجزاء من كتاب الله.
وأصبحت فلج المراغة قرية ليس فيه بيت إلا
ودخله القرآن الكريم.
هذا وقد ساهمت المدرسة الكريمة في إقامة
الدورات خارجها في أماكن عدة ، فقد أقامت دورة لأئمة ورزاة الأوقاف في ولايتي
سمائل وبدبد وفنجا في قاعة معالي السيد والي ولاية سمائل ، وكان موضوع الدورة (الوقف
والابتداء في القرآن الكريم) على مدار الأسبوع.
كما شاركت المدرسة في إقامة دورة لمعلمات
القرآن الكريم بولاية نزوى بعنوان (الفاصلة القرآنية انسجام وتناغم) على مدار يومين ضمن فعاليات
وزارة الأوقاف في إثراء معلمات القرآن الكريم.
كما أقامت المدرسة بدعوة من الأكارم د/ هلال الحضرمي ، والشيخ/ ناصر الحضرمي والشيخ/ سالم الغطريفي والشيخ/ عبد الواحد النعماني, دورة في يوم واحد لمدة أربع ساعات بينهم استراحة بعنوان (الفتح الرباني في إعجاز الرسم القرآني) بجامع التقوى بولاية نزوى.
كما شاركت المدرسة في إقامة دورة مطولة في
شرح منطومة (حرز الأماني ووجه التهاني ) المسماة بالشاطبية في القراءات السبع ومنظومة (الدرة المضية في الثلاثة المتتمة
للعشرة) للإمام ابن الجزري في القراءات الثلاثة المتتمة للعشرة، بمركز الجنان بولاية نزوى, وتم الانتهاء من
أبواب الأصول وفرش سورة البقرة إلى أن أتى سيف النوى الذي قطع الحلم وبدد الأمل.
هذا وقد تم عمل مصحف مجود يساعد في تعليم الكبار والصغار والمبتدئين، وأخذنا عليه ملكية فكرية من وزارة التجارة والصناعة، وقد ساعدنا وسعى في ذلك الكثير من الإخوة على رأسهم الأخ العزيز الدكتور/ يوسف المسكري حفظه الله.
ولم يكن في هذه المدرسة المباركة ساعات لدوام فكان
كل الوقت محتسَبًا لله, فكان العمل يبدأ من السابعة صباحًا إلى العاشرة مساءً ولم
يكن هناك أجازات إلا يوم الجمعة.
وتم تدشين لافتتاح المدرسة المباركة في ديسمبر 2019م حضر هذا الحفل معالي وزير البلديات وكان حفلاً رائعًا قرأ فيه
الصغار من رواية حفص ، وقرأ فيه من الكبار من درسوا فيها رواية حفص وورش وقراءة
حمزة.
وكان هذا الحفل هو الفصل الأخير من مسيرة
النجاح لهذه المدرسة, إلى أن أتى سهم غارب لا ندري من أين أتى ولا ندري من أطلقه أتى
فاغتال هذا النجاح ووأد هذا الحلم وأصاب هذا الأمل في مقتل.
وحسبي أنه من قدم هذه المسيرة الناجحة رجل
واحد فقط استعان بالله ثم استعان بطلبته في المدرسة وبالأفاضل الأكارم من أهل فلج
المراغة ... فلهم مني جميعاً شكري وتقديري
وهذا آخر العهد بتدريس القرآن الكريم في
سلطنة عمان حفظها الله وحفظ الله جلالة السلطان هيثم بن طارق ، ورحم الله جلالة
السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وأدام الله الخير على أهل سلطنة عمان عامة وأجرى
الله الخير في وجوه وقلوب أهل فلج المراغة خاصة.
ونستودعهم ونستودعكم الله الذي لا تضيع وادئعه فاليوم 28 يونيو 2020م آخر عهدي بالقرآن في سلطنة عمان.
والشكر كل الشكر للسيد الفاضل المحترم الدكتور/ حمد بن محمد بن حمد بن سيف الحضرمي حفظه الله فقد كان خير عون في كل سبيل فما بخل بنفسه ولا بماله في سبيل إعلاء كلمة الله فجزاه الله خير الجزاء عن القرآن وأهله.
والشكر موصول للأخ العزيز الفاضل والابن البار/ محمد بن سالم بن حمد بن سيف الحضرمي فما ادخر جهدا للوصول بالمدرسة لما وصلت إليه. فجزاه الله عنا خيرًا.
والشكر موصول للسيد الفاضل/ زهران بن حمود بن حمد بن سيف الحضرمي، وكيل المدرسة الذي وقف مدافعًا عن كل الوشايات التي حيكت بالمدرسة ومن فيها طوال هذين العامين فله مني خالص التحايا.
هذا وفي القلب عتب على وزراة الأوقاف متمثلة في السيد الفاضل مدير المدارس فكنا ننتظر بعد أن أنهت عملنا بعد هذا الجهد المبذول والذي لا يخفى على أحد, وهذه الأعمال التي كانت تحت إشرافها وبإذن منها,والذي كان هذا الجهد على مرأى منه ومسمع، والذي رآه رأي العين في الحفلة المقامة سابقة الذكر ، والذي قال جملته المشهورة في الكلمة التي ألقاها في الحفل عن وزارة الأوقاف بعد أن استمع إلى القراءات المقدمة من الصغار والكبار في الحفل, قال: (وكأنهم قرءوا على شيخ متقن) هذه الجملة التي لم يستلطفها حضور الحفل، ولم يستسيغها طلابنا من القراء ومن الحضور، والتي خاطبتهم عنها بحسن الظن وقلت أن فضيلته استخدم أسلوبًا من أعظم أساليب القرآن الكريم, أسلوب التشبيه المقلوب كما في قوله تعالى ( وليس الذكر للأنثى)فأسأله تعالى أن يكون ظني في محله, فجزاه الله عني خير الجزاء عن مقولته ، ونلتمس له العذر فربما منعه عن صلة رحم القرآن مانع من إرسال رسالة التكريم بعد إنهاء العمل والمتعارف عليها في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية بعد إنهاء خدماتهم, لكن يبقى في القلب ما فيه.
هذا وقد قال الله تعالى (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
لا نعرف من هما الرجلين لكن الله يعرفهما ، منه ننتظر الأجر ومنه ننتظر المثوبة.
وهذه قصيدة ألقيت في افتتاح المدرسة ،
لشاعر من شعراء سمائل وخريج من خريجي المدرسة قرأ فيها روايتي حفص وورش الأخ الكريم
/ موسى بن قسور العامري حفظه الله
ماذا يَخُطُ مِنَ القصيدِ بَناني؟
أو ما سينطِقُ بالقريضِ لساني؟!
يا حبرُ سجلْ في الصحافِ قصيدتي
يشهدْهُ روحُ الحرف ِوالثقلانِ
سجلْ بهِ هِمَمَ الكرامِ وعزمَهمْ
أطلِقهُ فجراً ساطعَ اللمعانِ
في مَحْفلِ القرآنِ نسمو رفعةً
ونزفُ حرفَ الشعرِ بالأوزانِ
يا أيها الآتونَ نحو معاهدٍ
غَذَّتْ بَنِيها من هُدى القرآنِ
يا أيها الآتونَ نحو أماجدٍ
يَحدوكمُ شوقٌ إلى الفرقانِ
طبتمْ وطابَ السعيُ يا أهلَ الوفا
نُهديكمُ فيضاً مِنَ الشُكرانِ
نورتُمُ الفيحاءَ وهي على المدى
بلدٌ عريقٌ سادَ في الأزمانِ
تبدوْ سمائلُ كالجنانِ يَحُفُها
زرعٌ ونخلٌ حُفَ بالريحان ِ
من أحرفِ القرآنِ سرُ قصائدي
في القلبِ يَجري غَضُهُ ولساني
هو سرُ قلبي نورُ دربي شِرعَتي
هو سِرج ُروحي قائدٌ لجَنَانِي
قد فاضَ بالآياتِ صوتُ مجودٍ
فرأيتُ فيها مَسلكي لجِناني
هيَّا لنبني العقلَ مِن آياتهِ
ونعبَّ عذبَ لطائفِ المنَّانِ
هيا لِننهلَ سورةً مسطورةً
ليشعَ مِنَّا الصدرُ بالفرقانِ
مفتاحُ خيرٍ للأنامِ بصائرٌ
فتأملوا في سورةِ الرحمنِ
نورُ الجنانِ الوارفاتِ وحورِها
وقصور ِها وتنافُسِ الولدانِ
وحيٌ ورَوحٌ للقلوبِ مُطَمْئِنٌ
للحائرينَ حقائقٌ البرهانِ
بابٌ قريبٌ للجنانِ مفتَّح ٌ
حِصن ٌمنيعٌ عن هوى الشيطانِِ
هيّا لِنَنْهَلَ مِن ْعلومِ كِتابِنا
لنُزِيحَ غاشي الجهلِ بالإيمانِ
هيا هلُمّوا نَحو نور ِطريقِكمْ
وتَزودوا مِن منبعِ العرفانِ
فلجٌ مِنَ الجنَّاتِ ثجَّ وريدُهُ
في أرضِنا الزهراءِ بالقرآنِ
قد فازَ بالاجرِ العميمِ جماعةٌ
رفعوا عِمادَ الصرحِ بالأركانِ
وحمودُ بنْ حمدٍ غدا عنوانَها
أسمٌ غدا كالنقشِ في التيجانِ
(فلجُ المَراغةِ) قد دنتْ بَركاتُها
كمزارعِ الأعنابِ في الأغصانِ
(فلجُ المَراغةِ) تَزدهي بضِيائِها
مشروعُها كالشمسِ في الأكوانِ
تتسابقُ الأفواجُ تَنهلُ ختمة ً
مِن (فارسِ) القرآنِ والتبيانِ
شيخٌ كريم جاء يُقري أمةً
ويَبُثُ فيها النورَ بالإتقانِ
هو (فارسٌ) فوقَ المتونِ محلقٌ
بالعلمِ خرَّجَ أعظمَ الفرسانِ
رجلٌ تفرغَ للكتابِ يَبثُهُ
سوراً مفتَّحةً إلى الرضوانِ
قد فازَ بالحسناتِ (أحمدَ) عندما
رفعَ البنا وأمتازَ بالإحسانِ
الحضرمي مَنْ مَدَّ جَسرَ تواصُلٍ
بين الجميعِ فكان قلبا حاني
وختامُ شعري بالدعاءِ لمن أتى
في حفلِنا الميمونِ للإخوانِ
ندعو الألهَ بأنّْ يُباركَ جُهدَكُمْ
ويَمُدَكُمْ بالرَوْحِ والريحانِ
فاشكُرْ الهي سعيَهم وصنيعَهمْ
بالأجر ِوالاحسانِ والغُفرانِ
موسى بن قسور بن منصور العامري. سلطنة عمان ، سمائل. ١٦..ربيع الآخر..١٤٤١ه ١٣..ديسمبر..٢٠١٩م
وهذه بعض صور الفعاليات والدوارت التي أقامتها المدرسة داخلها وخارجها.