-->
U3F1ZWV6ZTIxMjczMTA0OTU1X0FjdGl2YXRpb24yNDA5OTQ5MzAyNzQ=
recent
أخبار ساخنة

فصل في التجويد جامع للمقاصد حاوي للفوائد من كتاب النشر لابن الجزري

 


فصل في التجويد جامع للمقاصد حاوي للفوائد

وَحَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْقَوْلُ إِلَى هُنَا فَلْنَذْكُرْ فَصْلًا فِي التَّجْوِيدِ يَكُونُ جَامِعًا لِلْمَقَاصِدِ حَاوِيًا لِلْفَوَائِدِ، وَإِنْ كُنَّا قَدْ أَفْرَدْنَا لِذَلِكَ كِتَابَنَا: التَّمْهِيدُ فِي التَّجْوِيدِ، وَهُوَ مِمَّا أَلَّفْنَاهُ حَالَ اشْتِغَالِنَا بِهَذَا الْعِلْمِ فِي سِنِّ الْبُلُوغِ، إِذِ الْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُنَا هَذَا جَامِعًا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَارِئُ وَالْمُقْرِئُ.

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْمُقْرِئُ الْمُجَوِّدُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّامِيُّ بِقِرَاءَةِ ابْنَيْ أَبِي الْفَتْحِ عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُقْرِئُ شَيْخُ التَّجْوِيدِ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَنْدَلُسِيُّ سَمَاعًا، وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُقْرِئُ الْمُجَوِّدُ أَبُو سَهْلٍ الْيُسْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغِرْنَاطِيُّ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُقْرِئُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَافِيَةِ بِقِرَائَتِي عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُقْرِئُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّنْجَانِيُّ (ح) ، وَأَعْلَى مِنْ هَذَا قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْمُقْرِئِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَلَبِيِّ أَنْبَأَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ شَيْخِ الشُّيُوخِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا: أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ شَيْخُ الْقِرَاءَاتِ وَالتَّجْوِيدِ أَبُو الْكَرَمِ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ رُزْبَةَ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَلَّى الشُّونِيزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: جَوِّدُوا الْقُرْآنَ وَزَيِّنُوهُ بِأَحْسَنِ الْأَصْوَاتِ وَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْرَبَ بِهِ.

فَالتَّجْوِيدُ: 

مَصْدَرٌ مِنْ جَوَّدَ تَجْوِيدًا وَالِاسْمُ مِنْهُ الْجَوْدَةُ ضِدُّ الرَّدَاءَةِ، يُقَالُ: جَوَّدَ فَلَانٌ فِي كَذَا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ جَيِّدًا فَهُوَ عِنْدُهُمْ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْقِرَاءَةِ مُجَوَّدَةً بِالْأَلِفَاظِ بَرِيئَةً مِنَ الرَّدَاءَةِ فِي النُّطْقِ وَمَعْنَاهُ انْتِهَاءُ الْغَايَةِ فِي التَّصْحِيحِ وَبُلُوغُ النِّهَايَةِ فِي التَّحْسِينِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُمَّةَ كَمَا هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِفَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ مُتَعَبِّدُونَ بِتَصْحِيحِ أَلْفَاظِهِ وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الْأَفْصَحِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا وَلَا الْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُحْسِنٍ مَأْجُورٍ، وَمُسِيءٍ آثِمٍ، أَوْ مَعْذُورٍ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِاللَّفْظِ الصَّحِيحِ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ، وَعَدَلَ إِلَى اللَّفْظِ الْفَاسِدِ الْعَجَمِيِّ، أَوِ النَّبَطِيِّ الْقَبِيحِ، اسْتِغْنَاءً بِنَفْسِهِ، وَاسْتِبْدَادًا بِرَأْيهِ وَحَدْسِهِ وَاتِّكَالًا عَلَى مَا أَلِفَ مِنْ حِفْظِهِ، وَاسْتِكْبَارًا عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى عَالَمٍ يُوقِفُهُ عَلَى صَحِيحِ لَفْظِهِ، فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ بِلَا شَكٍّ، وَآثِمٌ بِلَا رَيْبٍ، وَغَاشٌّ بِلَا مِرْيَةٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الدِّينُ النَّصِيحَةُ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.

أَمَّا مَنْ كَانَ لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ، أَوْ لَا يَجِدُ مَنْ يَهْدِيهِ إِلَى الصَّوَابِ بَيَانُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَلِهَذَا أَجْمَعَ مَنْ نَعْلَمُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ، وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ مَنْ يُبَدِّلُ حَرْفًا بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ تَجَانُسًا أَمْ تَقَارُبًا، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَنْ قَرَأَ: الْحَمْدُ بِالْعَيْنِ، أَوِ الدِّينِ بِالتَّاءِ، أَوِ الْمَغْضُوبِ بِالْخَاءِ أَوْ بِالظَّاءِ ; وَلِذَلِكَ عَدَّ الْعُلَمَاءُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِ تَجْوِيدٍ لَحْنًا وَعَدُّوا الْقَارِئَ بِهَا لَحَّانًا ; وَقَسَّمُوا اللَّحْنَ إِلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ وَتَعْرِيفِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّحْنَ فِيهِمَا خَلَلٌ يَطْرَأُ عَلَى الْأَلِفَاظِ فَيُخِلُّ، إِلَّا أَنَّ الْجَلِيَّ يُخِلُّ إِخْلَالًا ظَاهِرًا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ الْخَفِيَّ يُخِلُّ إِخْلَالًا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَأَئِمَّةُ الْأَدَاءِ الَّذِينَ تَلَقَّوْا مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَضَبَطُوا عَنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْأَدَاءِ ; الَّذِينَ تُرْتَضَى تِلَاوَتُهُمْ، وَيُوثَقُ بِعَرَبِيَّتِهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحَةِ، وَالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، فَأَعْطَوْا كُلَّ حَرْفٍ حَقَّهُ ; وَنَزَّلُوهُ مَنْزِلَتَهُ وَأَوْصَلُوهُ مُسْتَحَقَّهُ، مِنَ التَّجْوِيدِ وَالْإِتْقَانِ، وَالتَّرْتِيلِ وَالْإِحْسَانِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُوَضِّحِ فِي وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ فِي فَصْلِ التَّجْوِيدِ مِنْهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّرْتِيلَ وَالْحَدَرَ وَلُزُومَ التَّجْوِيدِ فِيهَا قَالَ: فَإِنَّ حُسْنَ الْأَدَاءِ فَرْضٌ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ صِيَانَةً لِلْقُرْآنِ عَنْ أَنْ يَجِدَ اللَّحْنُ وَالتَّغْيِيرُ إِلَيْهِ سَبِيلًا عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ حُسْنِ الْأَدَاءِ فِي الْقُرْآنِ فَبَعْضُهُمْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفُ قِرَاءَتَهُ فِي الْمُفْتَرَضَاتِ، فَإِنَّ تَجْوِيدَ اللَّفْظِ وَتَقْوِيمَ الْحُرُوفِ وَحُسْنَ الْأَدَاءِ وَاجِبٌ فِيهِ فَحَسْبُ، وَذَهَبَ الْآخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَيْفَمَا كَانَ ; لِأَنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي تَغْيِيرِ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ وَتَعْوِيجِهِ وَاتِّخَاذِ اللَّحْنِ سَبِيلًا إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ غَرِيبٌ، وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ، بَلِ الصَّوَابُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحُجَّةُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ فِي تَجْوِيدِهِ وَصَوَّبَ مَا صَوَّبْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَالتَّجْوِيدُ هُوَ حِلْيَةُ التِّلَاوَةِ، وَزِينَةُ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حُقُوقَهَا وَتَرْتِيبُهَا مَرَاتِبَهَا، وَرَدُّ الْحَرْفِ إِلَى مَخْرَجِهِ وَأَصْلِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِنَظِيرِهِ وَتَصْحِيحُ لَفْظِهِ وَتَلْطِيفُ النُّطْقِ بِهِ عَلَى حَالِ صِيغَتِهِ، وَكَمَالِ هَيْئَتِهِ ; مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَعَسُّفٍ وَلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَكَلُّفٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ أُعْطِيَ حَظًّا عَظِيمًا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ وَتَحْقِيقِهِ وَتَرْتِيلِهِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَاهِيكَ بِرَجُلٍ أَحَبَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْهُ وَلَمَّا قَرَأَ أَبْكَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرُوِّينَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَغْرِبَ بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، وَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ وَتَرْتِيلِهِ.

(قُلْتُ) : وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، فَمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مُجَوَّدًا مُصَحَّحًا كَمَا أُنْزِلَ تَلْتَذُّ الْأَسْمَاعُ بِتِلَاوَتِهِ، وَتَخْشَعُ الْقُلُوبُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ، حَتَّى يَكَادَ أَنْ يَسْلُبَ الْعُقُولَ وَيَأْخُذَ الْأَلْبَابَ ; سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى يُودِعُهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُسْنُ صَوْتٍ وَلَا مَعْرِفَةٌ بِالْأَلْحَانِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ جَيِّدَ الْأَدَاءِ قَيِّمًا بِاللَّفْظِ، فَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَطْرَبَ الْمَسَامِعَ، وَأَخَذَ مِنَ الْقُلُوبِ بِالْمَجَامِعِ، وَكَانَ الْخَلْقُ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ، أُمَمٌ مِنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، يَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ مِنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ سَائِرِ الْأَنَامِ مَعَ تَرْكِهِمْ جَمَاعَاتٍ مِنْ ذَوِي الْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ، عَارِفِينَ بِالْمَقَامَاتِ وَالْأَلْحَانِ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ التَّجْوِيدِ وَالْإِتْقَانِ، وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِي وَغَيْرِهِمْ أَخْبَارًا بَلَغَتِ التَّوَاتُرَ عَنْ شَيْخِهِمُ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّائِغِ الْمِصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَانَ أُسْتَاذًا فِي التَّجْوِيدِ أَنَّهُ قَرَأَ يَوْمًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ وَكَرَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ فَنَزَلَ طَائِرٌ عَلَى رَأْسِ الشَّيْخِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى أَكْمَلَهَا فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هُدْهُدٌ، وَبَلَغَنَا عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ الْمَعْرُوفِ بِسِبْطِ الْخَيَّاطِ مُؤَلِّفِ الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ حَظًّا عَظِيمًا، وَأَنَّهُ أَسْلَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ سَمَاعِ قِرَاءَتِهِ، وَآخِرُ مَنْ عَلِمْنَاهُ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُصْخَانَ شَيْخُ الشَّامِ، وَالشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحِكْرِيُّ شَيْخُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَهَذَا بَابٌ أُغْلِقَ، وَطَرِيقٌ سُدَّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ قُصُورِ الْهِمَمِ وَنَفَاقِ سُوقِ الْجَهْلِ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَلَا أَعْلَمُ سَبَبًا لِبُلُوغِ نِهَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالتَّجْوِيدِ، وَوُصُولِ غَايَةِ التَّصْحِيحِ وَالتَّشْدِيدِ، مِثْلَ رِيَاضَةِ الْأَلْسُنِ، وَالتَّكْرَارِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَلَقَّى مِنْ فَمِ الْمُحْسِنِ، وَأَنْتَ تَرَى تَجْوِيدَ حُرُوفِ الْكِتَابَةِ كَيْفَ يَبْلُغُ الْكَاتِبُ بِالرِّيَاضَةِ وَتَوْقِيفِ الْأُسْتَاذِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَ التَّجْوِيدِ وَتَرْكِهِ إِلَّا رِيَاضَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ بِفَكِّهِ، فَلَقَدْ صَدَقَ وَبَصَّرَ، وَأَوْجَزَ فِي الْقَوْلِ وَمَا قَصَّرَ. فَلَيْسَ التَّجْوِيدُ بِتَمْضِيغِ اللِّسَانِ، وَلَا بِتَقْعِيرِ الْفَمِ، وَلَا بِتَعْوِيجِ الْفَكِّ، وَلَا بِتَرْعِيدِ الصَّوْتِ، وَلَا بِتَمْطِيطِ الشَّدِّ، وَلَا بِتَقْطِيعِ الْمَدِّ، وَلَا بِتَطْنِينِ الْغُنَّاتِ، وَلَا بِحَصْرَمَةِ الرَّاءَاتِ، قِرَاءَةٌ تَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ، وَتَمُجُّهَا الْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ، بَلِ الْقِرَاءَةُ السَّهْلَةُ الْعَذْبَةُ الْحُلْوَةُ اللَّطِيفَةُ، الَّتِي لَا مَضْغَ فِيهَا وَلَا لَوْكَ، وَلَا تَعَسُّفَ وَلَا تَكَلُّفَ، وَلَا تَصَنُّعَ وَلَا تَنَطُّعَ، لَا تَخْرُجُ عَنْ طِبَاعِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ وَالْأَدَاءِ، وَهَا نَحْنُ نُشِيرُ إِلَى جُمَلٍ مِنْ ذَلِكَ بِحَسْبِ التَّفْصِيلِ، وَنُقَدِّمُ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ فَنَقُولُ: أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى مُرِيدِ إِتْقَانِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ تَصْحِيحُ إِخْرَاجِ كُلِّ حَرْفٍ مِنْ مَخْرَجِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ تَصْحِيحًا يَمْتَازُ بِهِ عَنْ مُقَارِبِهِ، وَتَوْفِيَةُ كُلِّ حَرْفٍ صِفَتَهُ الْمَعْرُوفَةَ بِهِ تَوْفِيَةً تُخْرِجُهُ عَنْ مُجَانِسِهِ، يُعْمِلُ لِسَانَهُ وَفَمَهُ بِالرِّيَاضَةِ فِي ذَلِكَ إِعْمَالًا يُصَيِّرُ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا وَسَلِيقَةً.

فَكُلُّ حَرْفٍ شَارَكَ غَيْرَهُ فِي مَخْرَجٍ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَازُ عَنْ مُشَارِكِهِ إِلَّا بِالصِّفَاتِ، وَكُلُّ حَرْفٍ شَارَكَ غَيْرَهُ فِي صِفَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَازُ عَنْهُ إِلَّا بِالْمَخْرَجِ، (كَالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ) اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَانْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا، وَانْفَرَدَتِ الْهَمْزَةُ بِالْجَهْرِ وَالشِّدَّةِ، (وَالْعَيْنِ وَالْحَاءِ) اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَاسْتِفَالًا وَانْفِتَاحًا، وَانْفَرَدَتِ الْحَاءُ بِالْهَمْسِ وَالرَّخَاوَةِ الْخَالِصَةِ، (وَالْغَيْنِ وَالْخَاءِ) اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَاسْتِعْلَاءً وَانْفِتَاحًا، وَانْفَرَدَتِ الْغَيْنُ بِالْجَهْرِ، (وَالْجِيمِ وَالشِّينِ وَالْيَاءِ) اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَانْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا، وَانْفَرَدَتِ الْجِيمُ بِالشِّدَّةِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الْيَاءِ فِي الْجَهْرِ، وَانْفَرَدَتِ الشِّينُ بِالْهَمْسِ وَالتَّفَشِّي، وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الْيَاءِ فِي الرَّخَاوَةِ، (وَالضَّادِ وَالظَّاءِ) اشْتَرَكَا صِفَةً وَجَهْرًا وَرَخَاوَةً وَاسْتِعْلَاءً وَإِطْبَاقًا، وَافْتَرَقَا مَخْرَجًا، وَانْفَرَدَتِ الضَّادُ بِالِاسْتِطَالَةِ، (وَالطَّاءِ وَالدَّالِ وَالتَّاءِ) اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَشَدَّةً، وَانْفَرَدَتِ الطَّاءُ بِالْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ، وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الدَّالِ فِي الْجَهْرِ، وَانْفَرَدَتِ التَّاءُ بِالْهَمْسِ، وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الدَّالِ فِي الِانْفِتَاحِ وَالِاسْتِفَالِ، (وَالظَّاءِ وَالذَّالِ وَالثَّاءِ) اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَانْفَرَدَتِ الطَّاءُ بِالِاسْتِعْلَاءِ وَالْإِطْبَاقِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الذَّالِ فِي الْجَهْرِ، وَانْفَرَدَتِ التَّاءُ بِالْهَمْسِ، وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الذَّالِ اسْتِفَالًا وَانْفِتَاحًا، (وَالصَّادِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ) اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَصَفِيرًا وَانْفَرَدَتِ الصَّادُ بِالْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ، وَاشْتَرَكَتْ مَعَ السِّينِ فِي الْهَمْسِ، وَانْفَرَدَتِ الزَّايُ بِالْجَهْرِ، وَاشْتَرَكَتْ مَعَ السِّينِ فِي الِانْفِتَاحِ وَالِاسْتِفَالِ، وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.

فَإِذَا أَحْكَمَ الْقَارِئُ النُّطْقَ بِكُلِّ حَرْفٍ عَلَى حِدَتِهِ مُوفٍ حَقَّهُ فَلْيُعْمِلْ نَفْسَهُ بِإِحْكَامِهِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ ; لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنِ التَّرْكِيبِ مَا لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الْإِفْرَادِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، فَكَمْ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْحُرُوفَ مُفْرَدَةً وَلَا يُحْسِنُهَا مُرَكَّبَةً بِحَسَبِ مَا يُجَاوِرُهَا مِنْ مُجَانِسٍ وَمُقَارِبٍ وَقَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَمُفَخَّمٍ وَمُرَقَّقٍ فَيَجْذِبُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ وَيَغْلِبُ الْمُفَخَّمُ الْمُرَقَّقَ، فَيَصْعُبُ عَلَى اللِّسَانِ النُّطْقُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِّهِ إِلَّا بِالرِّيَاضَةِ الشَّدِيدَةِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ، فَمَنْ أَحْكَمَ صِحَّةَ اللَّفْظِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ حَصَّلَ حَقِيقَةَ التَّجْوِيدِ بِالْإِتْقَانِ وَالتَّدْرِيبِ، وَسَنُورِدُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ كَافٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ قَاعِدَةٍ نَذْكُرُهَا، وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ الْخَلَلِ الْوَارِدِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْقُرَّاءِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَمَا الْتَحَقَ بِهَا هُوَ إِطْلَاقُ التَّفْخِيمَاتِ وَالتَّغْلِيظَاتِ عَلَى طَرِيقٍ أَلِفَتْهَا الطِّبَاعَاتُ، تُلُقِّيَتْ مِنَ الْعَجَمِ، وَاعْتَادَتْهَا النَّبَطُ وَاكْتَسَبَهَا بَعْضُ الْعَرَبِ، حَيْثُ لَمْ يَقِفُوا عَلَى الصَّوَابِ مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَى عِلْمِهِ، وَيُوثَقُ بِفَضْلِهِ وَفَهْمِهِ، وَإِذَا انْتَهَى الْحَالُ إِلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَانُونٍ صَحِيحٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَمِيزَانٍ مُسْتَقِيمٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، نُوَضِّحُهُ مُسْتَوْفِيًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي أَبْوَابِ الْإِمَالَةِ وَالتَّرْقِيقِ وَنُشِيرُ إِلَى مُهِمِّهِ هُنَا.

فَاعْلَمْ أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُسْتَفِلَةَ كُلَّهَا مُرَقَّقَةٌ لَا يَجُوزُ تَفْخِيمُ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا اللَّامَ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ فَتْحَةٍ، أَوْ ضَمَّةٍ إِجْمَاعًا، أَوْ بَعْضَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَإِلَّا الرَّاءَ الْمَضْمُومَةَ، أَوِ الْمَفْتُوحَةَ مُطْلَقًا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَالسَّاكِنَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْلِيَةُ كُلُّهَا مُفَخَّمَةٌ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.

 وَأَمَّا الْأَلِفُ 

فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِتَرْقِيقٍ وَلَا تَفْخِيمٍ، بَلْ بِحَسَبِ مَا يَتَقَدَّمُهَا فَإِنَّهَا تَتْبَعُهُ تَرْقِيقًا وَتَفْخِيمًا، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا مِنْ إِطْلَاقِ تَرْقِيقِهَا فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ التَّحْذِيرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَجَمِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي لَفْظِهَا إِلَى أَنْ يُصَيِّرُوهَا كَالْوَاوِ، أَوْ يُرِيدُونَ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا هِيَ مُرَقَّقَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا نَصُّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَرْقِيقِهَا بَعْدَ الْحُرُوفِ الْمُفَخَّمَةِ فَهُوَ شَيْءٌ وَهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مُعَاصِرِيهِ، وَرَأَيْتُ مِنْ ذَلِكَ تَأْلِيفًا لِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ بُصْخَانَ سَمَّاهُ: " التَّذْكِرَةُ وَالتَّبْصِرَةُ لِمَنْ نَسِيَ تَفْخِيمَ الْأَلِفِ أَوْ أَنْكَرَهُ " قَالَ فِيهِ: اعْلَمْ أَيُّهَا الْقَارِئُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ تَفْخِيمَ الْأَلِفِ فَإِنْكَارُهُ صَادِرٌ عَنْ جَهْلِهِ، أَوْ غِلَظِ طِبَاعِهِ، أَوْ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ، أَوْ تَمَسُّكِهِ بِبَعْضِ كُتُبِ التَّجْوِيدِ الَّتِي أَهْمَلَ مُصَنِّفُوهَا التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ تَفْخِيمِ الْأَلِفِ. ثُمَّ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى جَهْلِهِ أَنَّهُ يَدَّعِيَ أَنَّ الْأَلِفَ فِي قِرَاءَةِ وَرْشٍ طَالَ وَفِصَالًا وَمَا أَشْبَهَهُمَا مُرَقَّقَةٌ وَتَرْقِيقُهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ حَرْفَيْنِ مُغَلَّظَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى غِلَظِ طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ فِي لَفْظِهِ بَيْنَ أَلْفِ (قَالَ) وَأَلْفِ (حَالَ) حَالَةَ التَّجْوِيدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اطِّلَاعِهِ أَنَّ أَكْثَرَ النُّحَاةِ نَصُّوا فِي كُتُبِهِمْ عَلَى تَفْخِيمِ الْأَلِفِ، ثُمَّ سَاقَ نُصُوصَ أَئِمَّةِ اللِّسَانِ فِي ذَلِكَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ أُسْتَاذُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْقِرَاءَاتِ أَبُو حَيَّانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَتَبَ عَلَيْهِ: طَالَعْتُهُ فَرَأَيْتُهُ قَدْ حَازَ إِلَى صِحَّةِ النَّقْلِ كَمَالَ الدِّرَايَةِ، وَبَلَغَ فِي حُسْنِهِ الْغَايَةَ. فَالْهَمْزَةُ - إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا الْقَارِئُ مِنْ كَلِمَةٍ فَلْيَلْفِظْ بِهَا سَلِسَةً فِي النُّطْقِ سَهْلَةً فِي الذَّوْقِ، وَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ تَغْلِيظِ النُّطْقِ بِهَا نَحْوَ: الْحَمْدُ، الَّذِينَ، أَأَنْذَرْتَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا أَلْفٌ، نَحْوَ: آتِي، وَآيَاتٍ، وَآمِينَ. فَإِنْ جَاءَ حَرْفٌ مُغَلَظٌ كَانَ التَّحَفُّظُ آكَدَ نَحْوَ: اللَّهُ، اللَّهُمَّ، أَوْ مُفَخَّمٌ نَحْوَ: الطَّلَاقُ، اصْطَفَى، وَأَصْلَحَ، فَإِنْ كَانَ حَرْفًا مُجَانِسُهَا، أَوْ مُقَارِبُهَا كَانَ التَّحَفُّظُ بِسُهُولَتِهَا أَشَدَّ، وَبِتَرْقِيقِهَا أَوْكَدَ نَحْوَ: اهْدِنَا، أَعُوذُ، أَعْطَى، أَحَطْتُ، أَحَقُّ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَنْطِقُ بِهَا فِي ذَلِكَ كَالْمُتَهَوِّعِ.

وَكَذَا الْبَاءُ

 إِذَا أَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مُفَخَّمٌ نَحْوَ بَطَلَ، بَغَى، وَبَصَلِهَا، فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ كَانَ التَّحَفُّظُ بِتَرْقِيقِهَا أَبْلَغَ نَحْوَ: بَاطِلٌ، وَ (بَاغٍ) ، وَالْأَسْبَاطُ. فَكَيْفَ إِذَا وَلِيَهَا حَرْفَانِ مُفَخَّمَانِ نَحْوَ: بَرَقَ، وَ (الْبَقَرَ) ، بَلْ طُبِعَ، عِنْدَ مَنْ أَدْغَمَ، وَلْيَحْذَرْ فِي تَرْقِيقِهَا مِنْ ذَهَابِ شِدَّتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ حَرْفًا خَفِيفًا نَحْوَ: بِهِمْ، وَبِهِ، وَبِهَا - دُونَ - بَالِغُ، وَ (بَاسِطٌ) ، وَ (بَارِئِكُمْ) ، أَوْ ضَعِيفًا نَحْوَ: بِثَلَاثَةِ، وَبِذِي، وَ (بِسَاحَتِهِمْ) ، وَإِذَا سَكَنَتْ كَانَ التَّحَفُّظُ بِمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَالْجَهْرِ أَشَدَّ نَحْوَ: رَبْوَةٍ، وَ (الْخَبْءَ) ، وَقَبْلَ، وَ (الصَّبْرِ) ، فَانْصَبْ، فَارْغَبْ، (وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ فِي سَائِرِ حُرُوفِ الْقَلْقَلَةِ لِاجْتِمَاعِ الشِّدَّةِ وَالْجَهْرِ فِيهَا نَحْوَ: (يَجْعَلُونَ، والْحِجْرِ، وَالْفَجْرِ، وَوَجْهِكَ، وَالنَّجْدَيْنِ، وَمَنْ يَخْرُجْ) ، وَنَحْوَ: (يَدْرَءُونَ، وَالْعَدْلِ، لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَعَدْوًا، وقَدْ نَرَى، وَاقْصِدْ) ، وَنَحْوَ: (يُطْعِمُونِ، وَالْبَطْشَةَ، وَمَطْلِعَ، إِطْعَامُ، وَبِمَا لَمْ تُحِطْ) ، وَنَحْوَ: (يَقْطَعُونَ، وَقْرًا، وَبَقْلِهَا، إِنْ يَسْرِقْ) .

التَّاءُ

يَتَحَفَّظُ بِمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ لِئَلَّا تَصِيرَ رَخْوَةً كَمَا يَنْطِقُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَرُبَّمَا جُعِلَتْ سِينًا، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ سَاكِنَةً نَحْوَ: فِتْنَةٌ، وَ (فَتْرَةٍ) ، وَيَتْلُونَ، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ، وَلِذَا أَدْخَلَهَا سِيبَوَيْهِ فِي جُمْلَةِ حُرُوفِ الْقَلْقَلَةِ، وَلْيَكُنِ التَّحَفُّظُ بِهَا إِذَا تَكَرَّرَتْ آكَدَ نَحْوَ: تَتَوَفَّاهُمُ، وَ (تَتَوَلَّوْا) ، كِدْتَ تَرْكَنُ، الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا، وَكَذَلِكَ كُلَّمَا تَكَرَّرَ مِنْ مِثْلَيْنِ نَحْوَ: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَ (حَاجَجْتُمْ) ، وَلَا أَبْرَحُ حَتَّى، وَ (يَرْتَدَّ) ، وَأَخِي اشْدُدْ، وَ (صَدَدْنَاكُمْ) ، وَعَدَّدَهُ، وَ (مُمَدَّدَةٍ) ، وَ (ذِي الذِّكْرِ) ، وَ (مُحَرَّرًا) ، وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَ (بِشَرَرٍ) وَ (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) ، وَ (شَطَطًا) ، وَنَطْبَعُ عَلَى، وَ (يُخَفَّفُ) ، وَلْيَسْتَعْفِفِ، وَ (تَعْرِفُ فِي) ، وَحَقَّ قَدْرِهِ، وَالْحَقَّ أَقُولُ، وَمَنَاسِكَكُمْ، وَ (إِنَّكِ كُنْتِ) ، وَ (لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ) ، وَ (جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) ، وَ (فِيهِ هُدًى) ، وَ (اعْبُدُوهُ هَذَا) ، وَ (وُرِيَ) ، وَ (يَسْتَحِي) ، وَ (يُحْيِيكُمْ) ، (وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ) ، إِنَّ وَلِيَّ اللَّهُ، وَ (حُيِّيتُمْ) ، لِصُعُوبَةِ اللَّفْظِ بِالْمُكَرَّرِ عَلَى اللِّسَانِ، قَالُوا: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فِي الْقَيْدِ يَرْفَعُ رِجْلَهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا وَيَرُدُّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي رَفَعَهَا مِنْهُ ; وَلِذَلِكَ آثَرَ أَبُو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ الْإِدْغَامَ بِشَرْطِهِ تَخْفِيفًا، وَيَعْتَنِي بِبَيَانِهَا وَتَلْخِيصِهَا مُرَقَّقَةً إِذَا أَتَى بَعْدَهَا حَرْفُ إِطْبَاقٍ وَلَا سِيَّمَا الطَّاءُ الَّتِي شَارَكَتْهَا فِي الْمَخْرَجِ، وَذَلِكَ نَحْوَ: أَفَتَطْمَعُونَ، وَتَطْهِيرًا، وَلَا تَطْغَوْا، وَتَصْدِيَةً، وَتَصُدُّونَ وَتُظْلَمُونَ.

وَالثَّاءُ

 حَرْفٌ ضَعِيفٌ، فَإِذَا وَقَعَ سَاكِنُهَا فَلْيَحْتَفِظْ فِي بَيَانِهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بَعْدَهُ حَرْفٌ يُقَارِبُهُ وَقُرِئَ بِالْإِظْهَارِ نَحْوَ: يَلْهَثْ ذَلِكَ، وَلَبِثْتَ وَلَبِثْتُمْ، وَكَذَا إِنْ أَتَى قَبْلَ حَرْفِ اسْتِعْلَاءٍ وَجَبَ التَّحَرُّزُ فِي بَيَانِهِ لِضَعْفِهِ وَقُوَّةِ الِاسْتِعْلَاءِ بَعْدَهُ نَحْوَ: أَثْخَنْتُمُوهُمْ، وَإِنْ يَثْقَفُوكُمْ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَجَمِ لَا يَتَحَفَّظُونَ مِنْ بَيَانِهَا فَيُخْرِجُونَهَا سِينًا خَالِصَةً.

وَالْجِيمُ 

يَجِبُ أَنْ يَتَحَفَّظَ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَخْرَجِهَا فَرُبَّمَا خَرَجَتْ مِنْ دُونِ مَخْرَجِهَا فَيَنْتَشِرُ بِهَا اللِّسَانُ فَتَصِيرُ مَمْزُوجَةً بِالشِّينِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَرُبَّمَا نَبَا بِهَا اللِّسَانُ فَأَخْرَجَهَا مَمْزُوجَةً بِالْكَافِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ كَثِيرًا فِي بَوَادِي الْيَمَنِ، وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا بَعْضُ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ كَانَ الِاحْتِرَازُ بِجَهْرِهَا وَشِدَّتِهَا أَبْلَغَ نَحْوَ: اجْتَمَعُوا، وَاجْتَنِبُوا، وَ (خَرَجْتَ) ، وَ (تَجْرِي) ، وَ (تُجْزَوْنَ) ، وَزَجْرًا، وَ (رِجْسًا) ، لِئَلَّا تَضْعُفَ فَتُمْزَجَ بِالشِّينِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مُشَدَّدَةً نَحْوُ: الْحَجَّ، وَ (أَتُحَاجُّونِّي) ، وَحَاجَّهُ - لَا سِيَّمَا - نَحْوَ لُجِّيٍّ، وَيُوَجَّهُ لِأَجْلِ مُجَانَسَةِ الْيَاءِ وَخَفَاءِ الْهَاءِ.

وَالْحَاءُ

 وَالْحَاءُ تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِإِظْهَارِهَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا مُجَانِسُهَا، أَوْ مُقَارِبُهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا سَكَنَتْ نَحْوَ: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ، وَسَبِّحْهُ، فَكَثِيرٌ مَا يَقْلِبُونَهَا فِي الْأَوَّلِ عَيْنًا وَيُدْغِمُونَهَا، وَكَذَلِكَ يَقْلِبُونَ الْهَاءَ فِي " وَسَبِّحْهُ " حَاءً لِضَعْفِ الْهَاءِ وَقُوَّةِ الْحَاءِ فَتَجْذِبُهَا فَيَنْطِقُونَ بِحَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا، كَذَلِكَ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِتَرْقِيقِهَا إِذَا جَاوَرَهَا حَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ نَحْوَ: أَحَطتُ، وَ (الْحَقُّ) ، فَإِنِ اكْتَنَفَهَا حَرْفَانِ كَانَ ذَلِكَ أَوْجَبَ نَحْوَ: حَصْحَصَ.

وَالْخَاءُ

يَجِبُ تَفْخِيمُهَا وَسَائِرُ حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَتَفْخِيمُهَا إِذَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً أَبْلَغُ، وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا أَلِفٌ أَمْكَنُ نَحْوَ: خَلَقَ، وَ (غَلَبَ) ، وَطَغَى، وَ (صَعِيدًا) ، وَضَرَبَ، وَ (خَالِقُ) ، وَ (صَادِقَ) ، وَ (ضَالِّينَ) ، وَطَائِفٌ وَ (ظَالِمٌ) . قَالَ ابْنُ الطَّحَّانِ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي تَجْوِيدِهِ: الْمُفَخَّمَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَتَمَكَّنُ التَّفْخِيمُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُ حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ مَفْتُوحًا، وَضَرْبٌ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ مَضْمُومًا، وَضَرْبٌ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَكْسُورًا. انْتَهَى.

وَالدَّالُ

 فَإِذَا كَانَتْ بَدَلًا مِنْ تَاءٍ وَجَبَ بَيَانُهَا لِئَلَّا يَمِيلَ اللِّسَانُ بِهَا إِلَى أَصْلِهَا نَحْوَ: مُزْدَجَرٌ، وَتَزْدَرِي.

وَالذَّالُ: يُعْتَنَى بِإِظْهَارِهَا إِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا نُونٌ نَحْوَ: فَنَبَذْنَاهُ، وَإِذْ نَتَقْنَا، وَكَذَلِكَ يُعْتَنَى بِتَرْقِيقِهَا وَبَيَانِ انْفِتَاحِهَا وَاسْتِفَالِهَا إِذَا جَاوَرَهَا حَرْفٌ مُفَخَّمٌ وَإِلَّا رُبَّمَا انْقَلَبَتْ ظَاءً نَحْوَ: ذَرْهُمْ، وَذَرْهُ، وَ (أَنْذَرْتُكُمْ) ، وَ (الْأَذْقَانِ) ، وَلَا سِيَّمَا فِي نَحْوِ: الْمُنْذَرِينَ، وَمُحَذِّرًا، وَذَلَّلْنَا، لِئَلَّا تَشْتَبِهَ بِنَحْوِ: الْمُنْتَظِرِينَ، وَ (مَحْظُورًا) ، وَظَلَّلْنَا، وَبَعْضُ النَّبَطِ يَنْطِقُ بِهَا دَالًّا مُهْمَلَةً، وَبَعْضُ الْعَجَمِ يَجْعَلُهَا زَايًا، فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ ذَاكَ.

وَالرَّاءُ

 انْفَرَدَ بِكَوْنِهِ مُكَرَّرًا صِفَةً لَازِمَةً لَهُ لِغِلَظِهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِذَا تَكَلَّمْتَ بِهَا خَرَجَتْ كَأَنَّهَا مُضَاعَفَةٌ. وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّكْرِيرِ تَرْعِيدُ اللِّسَانِ بِهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَأُظْهِرَ ذَلِكَ حَالَ تَشْدِيدِهَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَالصَّوَابُ التَّحَفُّظُ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْفَاءِ تَكْرِيرِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَدْ يُبَالِغُ قَوْمٌ فِي إِخْفَاءِ تَكْرِيرِهَا مُشَدَّدَةً فَيَأْتِي بِهَا مُحَصْرَمَةً شَبِيهَةً بِالطَّاءِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ فَيَجِبُ أَنْ يَلْفِظَ بِهَا مُشَدَّدَةً تَشْدِيدًا يَنْبُو بِهَا اللِّسَانُ نَبْوَةً وَاحِدَةً وَارْتِفَاعًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فِي الْحَصْرِ وَالْعُسْرِ نَحْوَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَخَرَّ مُوسَى، وَلْيَحْتَرِزْ حَالَ تَرْقِيقِهَا مِنْ نُحُولِهَا نُحُولًا يُذْهِبُ أَثَرَهَا وَيَنْقُلُ لَفْظَهَا عَنْ مَخْرَجِهَا كَمَا يُعَانِيهِ بَعْضُ الْغَافِلِينَ.

وَالزَّايُ

 يَتَحَفَّظُ بِبَيَانِ جَهْرِهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا سَكَنَتْ نَحْوَ: تَزْدَرِي، وَ (أَزْكَى) ، وَ (رِزْقًا) ، وَ (مُزْجَاةٍ) ، وَ (لَيُزْلِقُونَكَ) ، وَ (وِزْرَكَ) ، وَلْيَكُنِ التَّحَفُّظُ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ مُجَاوِرُهَا حَرْفًا مَهْمُوسًا آكَدُ لِئَلَّا يَقْرُبَ مِنَ السِّينِ نَحْوَ: وَ (مَا كَنَزْتُمْ) .

وَالسِّينُ

 يُعْتَنَى بِبَيَانِ انْفِتَاحِهَا وَاسْتِفَالِهَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا حَرْفُ إِطْبَاقٍ لِئَلَّا تَجْذِبَهَا قُوَّتُهُ فَتَقْلِبَهَا صَادًا نَحْوَ: بَسْطَةً، وَ (مَسْطُورًا) ، وَ (تَسْتَطِعْ) ، وَأَقْسَطُ. وَكَذَلِكَ نَحْوَ: لَسَلَّطَهُمْ، وَ (سُلْطَانٍ) وَ (تُسَاقِطْ) ، وَيَتَحَفَّظُ بِبَيَانِ هَمْسِهَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا غَيْرُ ذَلِكَ نَحْوُ: مُسْتَقِيمٌ، وَ (مَسْجِدٍ) . فَرُبَّمَا ضَارَعَتْ فِي ذَلِكَ الزَّايَ وَالْجِيمَ نَحْوَ: أَسَرُّوا، وَيُسَبِّحُونَ، وَعَسَى، وَ (قَسَمْنَا) . لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِنَحْوِ: وَأَصَرُّوا، وَ (يُصْبِحُونَ) ، وَعَصَى، وَ (قَصَمْنَا) .

وَالشِّينُ

 انْفَرَدَتْ بِصِفَةِ التَّفَشِّي فَلْيُعْنَ بِبَيَانِهِ، لَا سِيَّمَا فِي حَالِ تَشْدِيدِهَا، أَوْ سُكُونِهَا نَحْوَ: فَبَشَّرْنَاهُ، وَ (اشْتَرَاهُ) ، وَ (يَشْرَبُونَ) ، وَ (اشْدُدْ) ، وَ (الرُّشْدُ) ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْوَقْفِ وَفِي نَحْوِ: (شَجَرَ بَيْنَهُمْ) ، (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ) ، فَلْيَكُنِ الْبَيَانُ أَوْكَدَ لِلتَّجَانُسِ.

وَالصَّادُ

 لِيَحْتَرِزْ حَالَ سُكُونِهَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا تَاءٌ أَنْ تَقْرُبَ مِنَ السِّينِ نَحْوُ: وَلَوْ حَرَصْتَ، وَ (حَرَصْتُمْ) . أَوْ طَاءٌ أَنْ تَقَرُبَ مِنَ الزَّايِ نَحْوَ: اصْطَفَى، وَ (يَصْطَفِي) . أَوْ دَالٌ أَنْ يَدْخُلَهَا التَّشْرِيبُ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُهُ نَحْوَ: اصْدُقْ، وَ (يُصْدِرَ) ، وَتَصْدِيَةً.

وَالضَّادُ

 انْفَرَدَ بِالِاسْتِطَالَةِ، وَلَيْسَ فِي الْحُرُوفِ مَا يَعْسُرُ عَلَى اللِّسَانِ مِثْلُهُ. فَإِنَّ أَلْسِنَةَ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، وَقَلَّ مَنْ يُحْسِنُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُهُ ظَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُهُ بِالذَّالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ لَامًا مُفَخَّمَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشِمُّهُ الزَّايَ. وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ " أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ " لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يَصِحُّ. فَلْيَحْذَرْ مَنْ قَلَبَهُ إِلَى الظَّاءِ، لَا سِيَّمَا فِيمَا يَشْتَبِهُ بِلَفْظِهِ نَحْوَ: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ، يَشْتَبِهُ بِقَوْلِهِ: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا، وَلْيُعْمِلِ الرِّيَاضَةَ فِي إِحْكَامِ لَفْظِهِ خُصُوصًا إِذَا جَاوَرَهُ ظَاءٌ نَحْوَ: أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، يَعَضُّ الظَّالِمُ. أَوْ حَرْفٌ مُفَخَّمٌ نَحْوَ: أَرْضُ اللَّهِ، أَوْ حَرْفٌ يُجَانِسُ مَا يُشْبِهُهُ نَحْوَ: الْأَرْضِ ذَهَبًا. وَكَذَا إِذَا سَكَنَ وَأَتَى بَعْدَهُ حَرْفُ إِطْبَاقٍ نَحْوَ: فَمَنِ اضْطُرَّ. أَوْ غَيْرُهُ نَحْوَ: أَفَضْتُمْ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ، وَفِي تَضْلِيلٍ.

وَالطَّاءُ

 أَقْوَى الْحُرُوفِ تَفْخِيمًا فَلْتُوفَ حَقَّهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ مُشَدَّدَةً نَحْوَ: اطَّيَّرْنَا، وَأَنْ يَطَّوَّفَ، وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا تَاءٌ وَجَبَ إِدْغَامُهَا إِدْغَامًا غَيْرَ مُسْتَكْمَلٍ، بَلْ تَبْقَى مَعَهُ صِفَةُ الْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ لِقُوَّةِ الطَّاءِ وَضَعْفِ التَّاءِ، وَلَوْلَا التَّجَانُسُ لَمْ يَسُغِ الْإِدْغَامُ لِذَلِكَ نَحْوَ: وَفَرَّطْتُ كَمَا يُحْكَمُ ذَلِكَ فِي الْمُشَافَهَةِ.

وَالظَّاءُ

 يَتَحَفَّظُ بِبَيَانِهَا إِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا تَاءٌ نَحْوَ: أَوَعَظْتَ وَلَا ثَانِيَ لَهُ وَإِظْهَارُهَا مِمَّا لَا خِلَافَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ. نَعَمْ قَرَأْنَا بِإِدْغَامِهِ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ مَعَ إِبْقَاءِ صِفَةِ التَّفْخِيمِ.

وَالْعَيْنُ: يَحْتَرِزُ مِنْ تَفْخِيمِهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا أَلِفٌ نَحْوَ: الْعَالَمِينَ، وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مَهْمُوسٌ فَلْيُبَيِّنْ جَهْرَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ نَحْوَ: الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تَعْتَدُوا، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهَا غَيْنٌ وَجَبَ إِظْهَارُهَا لِئَلَّا يُبَادِرَ اللِّسَانُ لِلْإِدْغَامِ لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ نَحْوَ: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ.

وَالْغَيْنُ

 يَجِبُ إِظْهَارُهَا عِنْدَ كُلِّ حَرْفٍ لَاقَاهَا، وَذَلِكَ آكَدُ فِي حَرْفِ الْحَلْقِ وَحَالَةُ الْإِسْكَانِ أَوْجَبُ، وَلْيَحْتَرِزْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيكِهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا اجْتَمَعَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ نَحْوَ: يَغْشَى، وَ (أَفْرِغْ عَلَيْنَا) ، وَ (الْمَغْضُوبِ) ، وَ (ضِغْثًا) ، وَيَغْفِرْ، فَارْغَبْ، (وَأَغْطَشَ) ، وَلْيَكُنِ اعْتِنَاؤُهُ بِإِظْهَارِ: لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا أَبْلَغَ، وَحِرْصُهُ عَلَى سُكُونِهِ أَشَدَّ، لِقُرْبِ مَا بَيْنَ الْغَيْنِ وَالْقَافِ مَخْرَجًا وَصِفَةً.

وَالْفَاءُ

 فَيَجِبُ إِظْهَارُهَا عِنْدَ الْمِيمِ وَالْوَاوِ نَحْوَ: تَلْقَفُ مَا، وَ (لَا تَخَفْ) ، وَلَا. فَلْيَحْرِصْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَاءِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ نَحْوَ: نَخْسِفْ بِهِمُ. وَلَا ثَانِيَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

وَالْقَافُ

 فَلْيُتَحَرَّزْ عَلَى تَوْفِيَتِهَا حَقَّهَا كَامِلًا وَلْيُتَحَفَّظْ مِمَّا يَأْتِي بِهِ بَعْضُ الْأَعْرَابِ وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ فِي إِذْهَابِ صِفَةِ الِاسْتِعْلَاءِ مِنْهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالْكَافِ الصَّمَّاءِ، وَإِذَا لَقِيَهَا كَافٌ لِغَيْرِ الْمُدْغِمِ نَحْوَ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَكُمْ) . فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ سَاكِنَةً قَبْلَ الْكَافِ كَمَا هِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ. فَلَا خِلَافَ فِي إِدْغَامِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إِبْقَاءِ صِفَةِ الِاسْتِعْلَاءِ مَعَ ذَلِكَ فَذَهَبَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ مَعَ الْإِدْغَامِ كَهِيَ فِي: (أَحَطتُ، وَبَسَطْتَ) ، وَذَهَبَ الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى إِدْغَامِهِ مَحْضًا، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَصَحُّ قِيَاسًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا فِي بَابِ الْمُحَرَّكِ لِلْمُدْغِمِ مِنْ: (خَلَقَكُمْ، وَرَزَقَكُمْ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ (أَحَطتُ) وَبَابِهِ أَنَّ الطَّاءَ زَادَتْ بِالْإِطْبَاقِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا أَيْضًا آخِرَ بَابِ حُرُوفٍ قَرُبَتْ مَخَارِجُهَا.

وَالْكَافُ

 فَلْيُعْنَ بِمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَالْهَمْسِ لِئَلَّا يُذْهَبَ بِهَا إِلَى الْكَافِ الصَّمَّاءِ الثَّابِتَةِ فِي بَعْضِ لُغَاتِ الْعَجَمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْكَافَ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلْيُحْذَرْ مِنْ إِجْرَاءِ الصَّوْتِ مَعَهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّبَطِ وَالْأَعَاجِمِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَكَرَّرَتْ، أَوْ شُدِّدَتْ، أَوْ جَاوَرَهَا حَرْفٌ مَهْمُوسٌ نَحْوَ، (بِشِرْكِكُمْ) وَ (يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ) ، وَ (نَكْتَلْ) ، وَ (كُشِطَتْ) .

وَاللَّامُ

 يَحْسُنُ تَرْقِيقُهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا جَاوَرَتْ حَرْفَ تَفْخِيمٍ نَحْوَ: (وَلَا الضَّالِّينَ، وَعَلَى اللَّهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ، وَاللَّطِيفُ، وَاخْتَلَطَ، وَلْيَتَلَطَّفْ، وَلَسَلَّطَهُمْ) ، وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا نُونٌ فَلْيَحْرِصْ عَلَى إِظْهَارِهَا مَعَ رِعَايَةِ السُّكُونِ، وَلْيَحْذَرْ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَجَمِ مِنْ قَصْدِ قَلْقَلَتِهَا حِرْصًا عَلَى الْإِظْهَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَرِدْ بِنَصٍّ وَلَا أَدَاءٍ، وَذَلِكَ نَحْوَ: (جَعَلْنَا، وَأَنْزَلْنَا، وَظَلَّلْنَا، وَفَضَّلْنَا، وَقَالَ نَعَمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ، قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ) (وَأَمَّا) (قُلْ رَبِّي) فَلَا خِلَافَ فِي إِدْغَامِهِ لِشِدَّةِ الْقُرْبِ وَقُوَّةِ الرَّاءِ ; وَلِذَلِكَ تُدْغَمُ لَامُ التَّعْرِيفِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ: التَّاءُ، وَالثَّاءُ، وَالدَّالُ، وَالذَّالُ، وَالرَّاءُ، وَالزَّايُ، وَالسِّينُ، وَالشِّينُ، وَالصَّادُ، وَالضَّادُ، وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ، وَاللَّامُ، وَالنُّونُ، وَيُقَالُ لَهَا الشَّمْسِيَّةُ لِإِدْغَامِهَا.

وَتَظْهَرُ عِنْدَ بَاقِي الْحُرُوفِ وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْضًا وَتُسَمَّى الْقَمَرِيَّةَ لِإِظْهَارِهَا، وَأَمَّا لَامُ هَلْ وَبَلْ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي بَابِهَا.

وَالْمِيمُ

 حَرْفٌ أَغَنُّ وَتَظْهَرُ غُنَّتُهُ مِنَ الْخَيْشُومِ إِذَا كَانَ مُدْغَمًا، أَوْ مُخَفَّفًا. فَإِنْ أَتَى مُحَرَّكًا فَلْيُحْذَرْ مِنْ تَفْخِيمِهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بَعْدَهُ حَرْفٌ مُفَخَّمٌ نَحْوَ: مَخْمَصَةٍ، مَرَضٌ، وَمَرْيَمَ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ. فَإِنْ أَتَى بَعْدَهُ أَلِفٌ كَانَ التَّحَرُّزُ مِنَ التَّفْخِيمِ آكَدَ، فَكَثِيرًا مَا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ خُصُوصًا الْأَعَاجِمَ نَحْوَ: مَالِكِ، بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ سَاكِنًا فَلَهُ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ.

(الْأَوَّلُ الْإِدْغَامُ) بِالْغُنَّةِ عِنْدَ مِيمٍ مِثْلِهِ كَإِدْغَامِ النُّونِ السَّاكِنَةِ عِنْدَ الْمِيمِ، وَيُطْلَقُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مِيمٍ مُشَدَّدَةٍ نَحْوِ: دَمَّرَ، وَيُعَمَّرُ، وَحَمَّالَةَ، وَمِمَّ، وَأَمْ، وَهَمَّ، أَمْ مَنْ أَسَّسَ.

(الثَّانِي الْإِخْفَاءُ) عِنْدَ الْبَاءِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ، وَذَلِكَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَدَاءِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ: يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ، وَرَبَّهُمْ بِهِمْ، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ. فَتَظَهَرُ الْغُنَّةُ فِيهَا، إِذْ ذَاكَ إِظْهَارَهَا بَعْدَ الْقَلْبِ فِي نَحْوِ: مِنْ بَعْدِ، أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ كَأَبِي الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُنَادِي وَغَيْرِهِ إِلَى إِظْهَارِهَا عِنْدَهَا إِظْهَارًا تَامًّا وَهُنَّ اخْتِيَارُ مَكِّيٍّ الْقَيْسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَدَاءِ بِالْعِرَاقِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ، وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ التَّائِبُ إِجْمَاعَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ.

(قُلْتُ) : وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ مَأْخُوذٌ بِهِمَا، إِلَّا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِخْفَائِهَا عِنْدَ الْقَلْبِ، وَعَلَى إِخْفَائِهَا فِي مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو حَالَةَ الْإِدْغَامِ فِي نَحْوِ: أَعْلَمُ بِالشَّاكِرِينَ.

(الْحُكْمُ الثَّالِثُ) إِظْهَارُهَا عِنْدَ بَاقِي الْأَحْرُفِ نَحْوَ: (الْحَمْدُ، وَأَنْعَمْتَ، وَهُمْ يُوقِنُونَ، وَلَهُمْ عَذَابٌ، أَنَّهُمْ هُمُ، أَأَنْذَرْتَهُمْ، مَعَكُمْ إِنَّمَا) ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا فَاءٌ أَوْ وَاوٌ، فَلْيُعْنَ بِإِظْهَارِهَا لِئَلَّا يَسْبِقَ اللِّسَانُ إِلَى الْإِخْفَاءِ لِقُرْبِ الْمَخْرَجَيْنِ نَحْوَ: هُمْ فِيهَا، وَيَمُدُّهُمْ فِي، عَلَيْهِمْ وَمَا، أَنْفُسَهُمْ وَمَا. فَيَتَعَمَّلُ اللِّسَانُ عِنْدَهُمَا مَا لَا يَتَعَمَّلُ فِي غَيْرِهِمَا، وَإِذَا أَظْهَرْتَ فِي ذَلِكَ فَلْيَتَحَفَّظْ بِإِسْكَانِهَا وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ تَحْرِيكِهَا.

وَالنُّونُ

 حَرْفٌ أَغَنُّ آصَلُ فِي الْغُنَّةِ مِنَ الْمِيمِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْخَيْشُومِ فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ تَفْخِيمِهِ إِذَا كَانَ مُتَحَرِّكًا، لَا سِيَّمَا إِنْ جَاءَ بَعْدَهُ أَلِفٌ نَحْوَ: أَنَا، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ، وَإِنَّ اللَّهَ، وَنَصْرُ، وَنَكَصَ، وَنَرَى، وَسَنَذْكُرُ أَحْكَامَهَا سَاكِنَةً فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ إِخْفَائِهَا حَالَةَ الْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ: الْعَالَمِينَ، يُؤْمِنُونَ، الظَّالِمُونَ، فَلْيُعْنَ بِبَيَانِهَا. فَكَثِيرًا مَا يَتْرُكُونَ ذَلِكَ فَلَا يُسْمِعُونَهَا حَالَةَ الْوَقْفِ.

وَالْهَاءُ

 يُعْتَنَى بِهَا مَخْرَجًا وَصِفَةً لِبُعْدِهَا وَخَفَائِهَا فَكَمْ مِنْ مُقَصِّرٍ فِيهَا يُخْرِجُهَا كَالْمَمْزُوجَةِ بِالْكَافِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ مَكْسُورَةً نَحْوَ: عَلَيْهِمْ، وَقُلُوبِهِمْ، وَسَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ. وَكَذَلِكَ إِذَا جَاوَرَهَا مَا قَارَبَهَا صِفَةً، أَوْ مَخْرَجًا فَلْيَكُنِ التَّحَفُّظُ بِبَيَانِهَا آكَدَ نَحْوَ: وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَمَعَهُمْ، الْكِتَابُ، وَسَبِّحْهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ أَلِفَيْنِ نَحْوَ: بَنَاهَا، وَطَحَاهَا، وَضُحَاهَا، فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ خَفِيَّةٍ وَلْيَكُنِ التَّحَفُّظُ بِبَيَانِهَا سَاكِنَةً أَوْجَبَ نَحْوَ: اهْدِنَا، عَهْدًا، وَيَسْتَهْزِئُ، وَاهْتَدَى، وَالْعِهْنِ، وَلْيَخْلُصْ لَفْظُهَا مُشَدَّدَةً غَيْرَ مَشُوبَةٍ بِتَفْخِيمٍ نَحْوَ: أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ فَكِّ إِدْغَامِهَا عِنْدَ نُطْقِهِ بِهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ كُتِبَتْ بِهَائَيْنِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ بِهَاءٍ وَاحِدَةٌ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَهِّلِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِدْغَامِ: مَالِيَهْ هَلَكَ وَإِظْهَارِهِ مَعَ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْإِظْهَارِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْأُولَى مِنْهُمَا هَاءُ سَكْتٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

الْوَاوُ

 فَإِذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً، أَوْ مَكْسُورَةً تَحَفَّظَ فِي بَيَانِهَا مِنْ أَنْ يُخَالِطَهَا لَفْظٌ غَيْرَهَا، أَوْ يَقْصُرَ اللَّفْظُ عَنْ حَقِّهَا نَحْوَ: تَفَاوُتٍ، وَوُجُوهٌ، وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ، وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ، وَلْيَكُنِ التَّحَفُّظُ بِهَا حَالَ تَكْرِيرِهَا أَشَدَّ نَحْوَ: وُورِيَ وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ مَضْغِهَا حَالَ تَشْدِيدِهَا نَحْوَ: عَدُوًّا وَحَزَنًا وَغَدَوْا، وَأُفَوِّضُ، وَوَلَّوْا وَاتَّقُوا، وَآمَنُوا، لَا كَمَا يَلْفِظُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ، فَإِنْ سَكَنَتْ وَانْضَمَّ مَا قَبْلَهَا وَجَبَ تَمْكِينُهَا بِحَسَبِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَدِّ، وَاعْتَنِ بِضَمِّ الشَّفَتَيْنِ لِتَخْرُجَ الْوَاوُ مِنْ بَيْنِهِمَا صَحِيحَةً مُمْكِنَةً، فَإِنْ جَاءَ بَعْدَهَا وَاوٌ أُخْرَى وَجَبَ إِظْهَارُهُمَا وَاللَّفْظُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا نَحْوَ: آمَنُوا وَعَمِلُوا، قَالُوا وَهُمْ.

وَالْيَاءُ

 فَلْيَعْتَنِ بِإِخْرَاجِهَا مُحَرَّكَةً بِلُطْفٍ وَيُسْرٍ خَفِيفَةً نَحْوَ: تَرَيِنَّ وَ (لَاشِيَةَ) ، وَمَعَايِشَ، وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ قَلْبِهَا فِيهِمَا هَمْزَةً وَلِيُحْسِنْ فِي تَمْكِينِهَا إِذَا جَاءَتْ حَرْفَ مَدٍّ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا يَاءٌ مُحَرَّكَةٌ نَحْوَ فِي يَوْمٍ، الَّذِي يُوَسْوِسُ، وَإِذَا أَتَتْ مُشَدَّدَةً فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ لَوْكِهَا وَمَطِّهَا نَحْوَ: إِيَّاكَ، وَعِتِيًّا، وَبِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا، فَكَثِيرًا مَا يَتَوَاهَنُ فِي تَشْدِيدِهَا وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ أُخْتِهَا فَيَلْفِظُ بِهِمَا لَيِّنَتَيْنِ مَمْضُوغَتَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْبُوَ اللِّسَانُ بِهِمَا نَبْوَةً وَاحِدَةً، وَبَعْضُ الْقُرَّاءِ يُبَالِغُ فِي تَشْدِيدِهَا فَيُحَصْرِمُهَا وَلَيْتَهُ لَوْ يُخَضْرِمُهَا.

(فَهَذَا) مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى تَجْوِيدِ الْحُرُوفِ مُرَكَّبَةً، وَالْمُشَافَهَةُ تَكْشِفُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ، وَالرِّيَاضَةُ تُوَصِّلُ إِلَيْهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

الاسمبريد إلكترونيرسالة