-->
U3F1ZWV6ZTIxMjczMTA0OTU1X0FjdGl2YXRpb24yNDA5OTQ5MzAyNzQ=
recent
أخبار ساخنة

أحكام الاستعاذة والبسملة شرح وعرض بوربوينت

 


باب أحكام الاستعاذة والبسملة

لتحميل العرض بوربوينت اضغط هنا

من كتاب هداية القارئ للشيخ/ المرصفي رحمه الله

الأولى: في صيغتها.

أما صيغتها فهي "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وهذه هي المشهورة والمختارة من حيث الرواية لجميع القراء العشرة دون غيرها من الصيغ الواردة فيها لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} [النحل: 98] .

قال الحافظ أبو عمرو الداني في التيسير: "اعلم أن المستعمل عند الحذاق من أهل الأداء في لفظ الاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" دون غيره وذلك لموافقة الكتاب والسنة.

فأما الكتاب فقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} [النحل: 98] 

وأما السنة فما رواه نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه استعاذ قبل القراءة بهذا اللفظ بعينه. "وبذلك قرأت وبه آخذ" أهـ بلفظه وكما أن هذا اللفظ هو المشهور والمختار لجميع القراء هو المأخوذ به عند عامة الفقهاء كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. وقد ادعى بعضهم الإجماع على هذا اللفظ بعينه وهو مردود بما جاء من تغيير في هذا اللفظ تارة بالزيادة عليه وتارة بالنقص عنه.

أما الزيادة فمنها "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" أو "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم" أو "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم" أو "أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الجيم" إلى غير ذلك من الصيغ الواردة عن أئمة القراء وأهل الأداء.

وأما النقص فقد قال الحافظ ابن الجزري في النشر لم يتعرض للتنبيه عليه أكثر أئمتنا وكلام الشاطبي رحمه الله يقتضي عدمه والصحيح جوازه لما ورد: فقد نص الحلواني في جامعه على جواز ذلك فقال وليس للاستعاذة حد ينتهى إليه من شاء زاد ومن شاء نقص أي بحسب الرواية. وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم "أعوذ بالله من الشيطان" من غير ذكر الرجيم وكذا رواه غيره أهـ منه بلفظه.

هذا: ولم أر فيما وقفت عليه من صيغ النقص غير ما ذكر الحافظ ابن الجزري في النشر.

قال العلامة المارغني "فإن قلت" حيث ورد في الكتاب والسنة لفظ أعوذ بالله من الشيطان كما تقدم فلم جوزوا غيره؟ "قلت" الآية لا تقتضي إلا طلب أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان لأن الأمر فيها وهو استعذ مطلق وجميع ألفاظ الاستعاذة بالنسبة إليه سواء فبأي لفظ استعاذ القارئ جاز وكان ممتثلاً والحديث ضعيف كما ذكره الأئمة ومع ذلك فالمختار أن يقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لموافقة لفظ الآية وإن كان الأمر فيها مطلقاً ولورود الحديث به وإن لم يصح لاحتمال الصحة وإنما اختاروا أعوذ مع أن الآية تقتضي استعيذ لوروده في مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} [المؤمنون: 97] الآية. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} [الفلق: 1] . {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} [الناس: 1] ولوروده في عدة أحاديث أهـ.

وأما ما قاله الإمام ابن بري في الدرر اللوامع:

وقد أتتْ في لفظه أخبارُ ... وغير ما في النَّحل لا يُخْتار اهـ

فأقول لعله قصد بقوله: "وغير ما في النحل لا يختار" أنه لم ينعقد إجماع القراء على غير التعوذ بلفظ سورة النحل أو أن القارئ يسعه التعوذ بأي لفظ وارد وقد اختار هو لفظ النحل وهذا أشبه بقوله وأحبُّ إليَّ إذ كل هذه الألفاظ التي تقدمت وكذلك غيرها من ما لم تذكر واردة والقارئ مأمور بالعمل بإحداها على التخيير وكل حق وصواب وقد تقدم ما يفيد ذلك في كلام العلامة المارغني شارح كلام الإمام ابن بري رحمهما الله تعالى ورحمنا معهما بمنه وكرمه آمين.

الثانية: في حكم الجهر والإخفاء بها.

اعلم أن الجهر بالاستعاذة هو المأخوذ به لدى عامة القراء عند افتتاح القراءة إلا ما روي عن نافع وحمزة من أنهما كانا يخفيان -أي يسران- لفظ الاستعاذة في جميع القرآن. ولكن المشهور عند جماهير العلماء هو الجهر لعامة القراء لا فرق بين نافع وحمزة وغيرهما من باقي الأئمة.

قال الحافظ أبو عمرو الداني في التيسير: "ولا أعلم خلافاً بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن وعند الابتداء برؤوس الأحزاب وغيرها في مذهب الجماعة اتباعاً للنص واقتداء بالسنة".

وقال: "وروى إسحاق المسيبي عن نافع أنه كان يخفيها في جميع القرآن وروى سليم عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن خاصة ويخفيها بعد ذلك كذا قال خلف عنه. وقال خلاد عنه أنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعاً" أهـ منه بلفظه.

ولكن قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "أطلقوا اختيار الجهر في الاستعاذة مطلقاً ولابد من تقييده. وقد قيده الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى بحضرة من يسمع قراءته ولابد من ذلك قال: لأن الجهر بالتعوذ إظهار لشعائر القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد، ومن فوائده أن السامع ينصت للقراءة من أولها ولا يفوته منها شيء. وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفي الصلاة فإن المختار في الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة" أهـ منه بلفظه.

وقال الحافظ ابن الجزري في النشر أيضاً: "ومن المواضع التي يستحب فيها الإخفاء إذا قرأ خالياً سواء قرأ جهراً أو سرًّا. ومنها إذا قرأ سرًّا فإنه يسر أيضاً. ومنها إذا قرأ في الدَّوْرِ ولم يكن في قراءته مبتدئاً بالتعوذ لتتصل القراءة ولا يتخللها أجنبي فإن المعنى الذي من أجله استحب الجهر وهو الإنصات فقد في هذه المواضع" أهـ منه بلفظه.

قلت: ويؤخذ مما تقدم أن الجهر بلفظ التعوذ ليس على إطلاقه كما مر بل هناك حالات يستحب فيها الإخفاء وهي كالآتي:

الأول: إذا كان القارئ يقرأ خالياً سواء قرأ سرًّا أو جهراً.

الثانية: إذا كان يقرأ سرًّا.

الثالثة: إذا كان يقرأ في الدَّوْرِ ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة ويفهم من هذا أنه إذا كان هو المبتدئ بالقراءة في الدور فيجهر بلفظه التعوذ لأنه الآن صار في حضرة من يسمع قراءته كما تقدم وما سوى حالات الإخفاء هذه فيجهر القارئ بلفظ التعوذ وهو تفصيل حسن "وجه الجهر بلفظه التعوذ" إنصات السامع للقراءة من أولها فلا يفوته منها شيء لما هو مقرر من أن لفظ التعوذ شعار القراءة وعلامتها "ووجه الإخفاء" حصول الفرق بين ما هو قرآن وما هو ليس بقرآن لأن لفظ التعوذ ليس في القرآن بالإجماع والله أعلم.

الثالثة: في حكمها وجوباً أو استحباباً.

اختلف العلماء في ذلك بعد اتفاقهم على أن الاستعاذة مطلوبة من مريدي القراءة فقال جمهورهم بالاستحباب أي أن الاستعاذة مستحبة عند إرادة القراءة. وعليه فالأمر الوارد في قوله تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} [النحل: 98] محمول على الندب وعلى هذا المذهب لا يأثم القارئ بتركها.

وقال غير الجمهور بالوجوب أي أن الاستعاذة واجبة عند إرادة القراءة. وعليه فالأمر الوارد في الآية المذكورة محمول على الوجوب وعلى هذا المذهب يأثم القارئ بتركها. والمأخوذ به هو مذهب الجمهور فاحفظه.

الرابعة: في محلها.

جمهور العلماء على أن محل الاستعاذة قبل القراءة أي مقدمة عليها وقيل إن محلها بعد القراءة لظاهر الآية وهو غير صحيح.

قال الإمام أبو شامة في شرحه على الشاطبية: "ووقت الاستعاذة ابتداء القراءة جرى على ذلك العمل في نقل الخلف عن السلف إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعهم بعد الفراغ من القراءة وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله} [النحل: 98] معناه إذا أردت القراءة كقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا} [المائدة: 6] وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا توضأ أحدكم فليستنشر، ومن أتى الجمعة فليغتسل". كل ذلك مبني على حذف الإرادة أهـ منه بلفظه، وقد أبطل غير واحد من أهل العلم القول بأن الاستعاذة تكون بعد القراءة لظاهر الآية، وقد أطال الحافظ ابن الجزري في الرد على من قال بذلك مما ينبغي الوقوف عليه وقد تركنا إيراد كلامه هنا رغبة في الاختصار ورأفة بالمبتدئين فانظره في النشر وبالله التوفيق.

الخامسة: في معناها.

ومعناها الالتجاء إلى الله تعالى والتحصن به سبحانه من الشيطان فإذا قال القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فكأنه قال ألجأ وأعتصم وأتحصن بالله من الشيطان.

قال العلامة الشيخ سليمان الجمزوري رحمه الله تعالى في كتابه: "الفتح الرحماني بشرح كنز المعاني" ومعناها طلب الإعاذة من الله وهي عصمته يقال عذت بفلان واستعذب به لجأت إليه" أهـ منه بلفظه.

هذا: ولفظ الاستعاذة على أي صيغة كانت ليس من القرآن بالإجماع كما أنه جاء على لفظ الخبر ومعناه الدعاء أي اللهم أعذني من الشيطان.

قال العلامة القسطلاني شارح البخاري في اللطائف: "والشيطان مشتق من شَطَنَ إذا بَعُدَ فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير. والظاهر أن المراد به إبليس وأعوانه" أهـ منه بلفظه كفانا الله تعالى شره ووقانا فتنته في الحياة وعند الممات إنه سبحانه القادر على ذلك.

السادسة: في بيان أوجهها.

أما أوجه الاستعاذة فبحسب ما تقترن به من القراءة لأنها إما أن تقترن بأول السورة. وإما أن تقترن بغير أولها ولكل من هاتين الحالتين كلام خاص نوضحه فيما يلي:

الحالة الأولى: اقتران الاستعاذة بأول السورة:

إذا اقترنت الاستعاذة بأول السورة باستثناء أول سورة براءة فيجوز لجميع القراء أربعة أوجه وإليك ترتيبها حسب الأداء: الأول: قطع الجميع أي الوقف على الاستعاذة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة.

الثالث: وصل الأول بالثاني وقطع الثالث أي وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها والابتداء بأول السورة.

الرابع: وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة جملة واحدة.

أما الابتداء من أول سورة براءة فليس فيه إلا وجهان لجميع القراء وهما:

الأول: القطع أي الوقف على الاستعاذة والابتداء بأول السورة من غير بسملة.

الثاني: الوصل أي وصل الاستعاذة بأول السورة من غير بسملة كذلك وذلك لعدم كتابتها في أولها في جميع المصاحف العثمانية.

وفي وجه عدم كتابة البسملة في أول براءة أقوال كثيرة نذكر منها هنا ما قاله العلامة ابن الناظم في شرح طيبة والده الحافظ ابن الجزري ونصه: "واختلف في العلة التي من أجلها لا يبسمل في سورة براءة بحالة فذهب الأكثرون إلى أنه لسبب نزولها بالسيف يعني ما اشتملت عليه من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد وأيضاً فيها الآية المسماة بآية السيف وهي: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} [التوبة: 29] الآية وذهب بعضهم إلى احتمال كونها من الأنفال" أهـ منه بلفظه.

هذا: والأشهر فيما قرأته لأئمتنا من الأقوال في هذه المسألة هو نزولها بالسيف وهو مروي عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعليه الجمهور من أهل العلم كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني وإليه ذهب الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى وفيه يقول في الشاطبية:

ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسيف لست مُبسملا اهـ

الحالة الثانية: اقتران الاستعاذة بغير أول السورة:

وهذا إذا كان القارئ مبتدئاً من أثناء السورة سواء كان الابتداء من أول الجزء أو الحزب أو الربع أو الثمن أو غير ذلك والمراد بأثناء السورة ما كان بعيداً عن أولها ولو بكلمة. وللقارئ حينئذ التخيير في أن يأتي بالبسملة بعد الاستعاذة أو لا يأتي بها. والإتيان بها أفضل من عدمه لفضلها والثواب المترتب على الإتيان بها وقد اختاره بعضهم قال الإمام ابن بري رحمه الله في الدرر:

واختارها بعض أولى الأداء ... لفضلها في أول الأجزاءِ اهـ

وبناء على هذا الخلاف إذا أُتيَ بالبسملة بعد الاستعاذة فيجوز للقارئ حينئذ الأوجه الأربعة السالفة الذكر التي في الابتداء بأول السورة وإذا لم يؤت بالبسملة بعد الاستعاذة فللقارئ حينئذ وجهان ليس غير:

أولهما: القطع أي الوقف على الاستعاذة والابتداء بأول الآية.

ثانيهما: الوصل أي وصل الاستعاذة بأول الآية.

ووجه القطع أولى من الوصل خصوصاً إذا كان أول الآية المبتدأ بها اسماً من أسماء الله تعالى أو ضميراً يعود إليه سبحانه وذلك نحو قوله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} [البقرة: 257] ، وقوله سبحانه: {الرحمان عَلَى العرش استوى} [طه: 5] ، ونحو قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] ، وقوله سبحانه: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} [فصلت: 47] ففي هذا وشبهه قطع الاستعاذة أولى من وصلها لما فيه من البشاعة كما في النشر وغيث النفع وغيرهما. وقد اختاره الإمام أبو محمد مكي بن طالب في الكشف كما أحد على الإتيان بالبسملة والحالة هذه العارف بالله تعالى شيخ شيوخنا سيدي الشيخ مصطفى الميهي في فتح الكريم وعبارته "ويستحب البسملة في أثناء السورة ويتأكد ذلك عند نحو {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} [فصلت: 47] ، {وَهُوَ الذي} [الأنعام: 97، 98، 99، 114، 141، 165] لما في ذكر ذلك بعد ذكر الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان" أهـ منه بحروفه.

وقد منع الشهاب البناء في إتحافه وصل البسملة بما بعدها في هذه الحال وكذلك يمنع وصل الاستعاذة بأجزاء السورة إذا كان المبتدأ به اسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالابتداء بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 29] فلا يجوز وصل الاستعاذة باسمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فيه من البشاعة أيضاً، وهنا ينبغي الإتيان بالبسملة. نبه على ذلك صاحب المكرر وهو كلام جيد لم أره لغيره وكما أن وصل الاستعاذة بأول أجزاء السورة ممنوع إذا كان أولها اسماً من أسماء الله تعالى أو ضميراً يعود عليه سبحانه فينبغي النهي عن البسملة في قوله تعالى: {الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} [البقرة: 268] ، وقوله تعالى: {لَّعَنَهُ الله} [النساء: 118] ونحو ذلك لما فيه من البشاعة أيضاً. قاله الحافظ ابن الجزري في النشر وهو كلام نفيس واضح بين.

وأما الابتداء من أثناء سورة براءة ففيه التخيير السابق في الإتيان بالبسملة وعدمه. وذهب بعضهم إلى منع البسملة في الابتداء من أثنائها كما منعت من أولها. وهو مذهب حسن وبالله التوفيق.

السابعة: فيما إذا قطع القارئ قراءته ثم عاد إليهم وبيان ما يترتب عليه عندئذ.

إذا عرض للقارئ ما قطع قراءته فإن كان أمراً ضروريًّا كسعال أو عطاس أو كلام يتعلق بالقراءة فلا يعيد لفظ التعوذ، وإن كان أمراً أجنبيًّا ولو ردًّا للسلام فإنه يستأنف التعوذ وكذلك لو قطع القراءة إعراضاً ثم عاد إليها.

"فائدة": قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "إذا قرأ جماعة جملة واحدة هل يلزم كل واحد الاستعاذة أو تكفي استعاذة بعضهم؟ لم أجد فيها نصًّا ويحتمل أن تكون كفاية وأن تكون عيناً على كل من القولين بالوجوب والاستحباب والظاهر الاستعاذة لكل واحد لأن المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه بالله تعالى عن شر الشيطان كما تقدم فلا يكون تعوذ واحد كافياً عن آخره" أهـ منه بلفظه والله أعلم.

البسملة

وكلامنا على البسملة هنا خاص بالقراءة خارج الصلاة ويتعلق به ثلاث مسائل:

المسألة الأولى في بيان حكم البسملة عند افتتاح القراءة بأول السورة.

المسألة الثانية في بيان حكم البسملة عند افتتاح القاراءة بغير أول السورة.

المسألة الثالثة في بيان حكم البسملة عند الجمع بين السورتين.

ولكل مسألة من هذه المسائل كلام خاص نوضحه فيما يلي:

المسألة الأولى في بيان حكم البسملة عند افتتاح القراءة بأول السورة

أما حكم البسملة عند افتتاح القراءة من أول السورة باستثناء أول سورة براءة فلا خلاف بين القراء قاطبة في الإتيان بها حتماً وأما الافتتاح بأول سورة براءة فلا خلاف بين القراء أيضاً في ترك البسملة لعدم وجودها في أولها كما تقدم ذلك قريباً في باب الاستعاذة.

المسألة الثانية في بيان حكم البسملة عند افتتاح القراءة بغير أول السورة

قلنا فيما تقدم أن المراد بغير أول السورة ما كان بعيداً عن أولها ولو بكلمة وعليه: فإذا ابتدئ من هذا المكان من أي سورة من سور التنزيل فيجوز لجميع القراء التخيير في الإتيان بالبسملة وعدم الإتيان بها والإتيان بها أفضل من عدمه لما مر.

وقد تقدم الكلام مستوفى على هاتين المسألتين في باب الاستعاذة عند الكلام على اقتران الاستعاذة بأول السورة وبغير أولها وفي هاتين المسألتين يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية:

ولابُدَّ منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خُيِّرَ من تلا اهـ

المسألة الثالثة في بيان حكم البسملة عند الجمع بين السورتين

المراد بالجمع بين السورتين انتهاء القارئ من قراءة السورة السابقة وشروعه في قراءة السورة اللاحقة كالانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والشروع في قراءة أول سورة البقرة مثلاً ففي هذه الحالة وما شابهها يجوز ثلاثة أوجه لمن أثبت البسملة وفصل بها بين السورتين قولاً واحداً كحفص عن عاصم باستثناء آخر سورة الأنفال وأول سورة براءة وإليك ترتيب هذه الأوجه الثلاثة حسب الأداء:

الأول: قطع الجميع أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة اللاحقة.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث. أي الوقف على آخر السورة السابقة ووصل البسملة بأول السورة اللاحقة.

الثالث: وصل الجميع -أي وصل آخر السورة السابقة بالبسملة بأول السورة اللاحقة جملة واحدة.

وقد نظم هذه الأوجه الثلاثة العلامة الخليجي في قرة العين فقال رحمه الله تعالى:

وبين كل سورة وأخرى ... لمن يبسمل ثلاث تُقرا

قطع الجميع ثم وصل الثاني ... ووصْلُ كل فاتْلُ بالإتقان اهـ

وهذه الأوجه الثلاثة تجوز بين كل سورتين سواء رتبتا في التلاوة كآخر آل عمران مع أول النساء أم لم ترتبا كآخر الفاتحة مع أول المائدة. وفي هذا يقول الإمام أحمد الطيبي في التنوير:

وبين سورتين لم ترتَّبا ... ما بين ما رُتِّبتا قد أوجبا اهـ

هذا: ولا يجوز وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها لأن في ذلك إيهاماً بأن البسملة لآخر السورة السابقة والحال أنها لأول اللاحقة.

وهذا هو الوجه الممنوع لجميع القراء بالإجماع وفيه يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية:

ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفنَّ الدهر فيها فتثقُلا اهـ

أما ما بين آخر الأنفال وأول براءة فثلاثة أوجه لعامة القراء وهي كالتالي:

الأول: القطع: أي الوقف على "عليم" مع التنفس والابتداء ببراءة.

الثاني: السكت أي الوقف على "عليم" بسكتة لطيفة بدون تنفس والابتداء ببراءة.

الثالث: الوصل أي وصل "عليم" ببراءة مع تبيين الإعراب وهذه الأوجه الثلاثة بلا بسملة لما تقدم وقد نظمها العلامة الخليجي في "قرة العين" فقال رحمه الله:

وبين الانفال وتوبةً بلا ... بسملة أو اسكت أو صِلاَ اهـ

تنبيهات:

الأول: الأوجه الثلاثة التي بين آخر الأنفال وأول براءة التي ذكرناها آنفاً لم تكن مقيدة بهذا المحل فحسب بل تجوز بين آخر أي سورة وأول براءة بشرط أن يكون آخر هذه السورة قبل سورة براءة في ترتيب المصحف الشريف فمثلا ً لو وصل آخر سورة آل عمران بأول سورة براءة جازت تلك الأوجه الثلاثة للجميع أيضاً بخلاف ما إذا كان آخر السورة بعد أول سورة براءة في ترتيب المصحف الكريم كأن وصل آخر سورة الكهف بأول سورة براءة فلا يجوز حينئذ إلا القطع بدون بسملة ويمتنع الوصل والسكت.

وكذلك إذا كرر القارئ سورة براءة كأن وصل آخرها بأولها فليس له في هذه الحالة إلا القطع بدون بسملة ويمتنع الوصل والسكت أيضاً.

التنبيه الثاني: إذا وصلت الميم من {الم} [الآية: 1] فاتحة سورة آل عمران بلفظ الجلالة جاز فيها وجهان للأئمة العشرة باستثناء الإمام أبي جعفر المدني والوجهان هما:

الأول: تحريك الميم بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين مع المد الطويل نظراً للأصل قبل التحريك وهو السكون اللازم.

الثاني: تحريك الميم بالفتح للتخلص أيضاً لكن مع القصر وهو حركتان اعتداداً بالعارض وهو تحريك الميم: والوجهان صحيحان مقروء بهما لمن ذكرنا من القراء والمد الطويل هو المقدم في الأداء وبه قرأت وبه آخذ قراءة وإقراء.

التنبيه الثالث: علم مما تقدم في التنبيه الثاني أن الميم من {الم} [الآية: 1] فاتحة آل عمران فيها الوجهان المد والقصر في حالة وصلها بلفظ الجلالة فإن روعي هذان الوجهان مع أوجه الاستعاذة الأربعة فتصير الأوجه ثمانية باعتبار وجهي الميم على كل وجه من أوجهها الأربعة وهذا لعامة القراء باستثناء أبي جعفر كما مر.

أما إذا لم توصل الميم بلفظ الجلالة بأن وقف عليها فالأوجه الأربعة المعروفة وهي للقراء العشرة قاطبة.

وكذلك الحكم عند وصل آخر سورة البقرة بأول سورة آل عمران فعلى كل وجه من أوجه البسملة الثلاثة الوجهان الذان في الميم إذا كانت موصولة بلفظ الجلالة فتصير الأوجه التي بين السورتين في هذا المحل ستة أوجه وهذا لحفص عن عاصم ومن وافقه من المبسملين بين السورتين باستثناء أبي جعفر أيضاً.

أما إذا لم توصل الميم بلفظ الجلالة بأن وقف عليها فالأوجه الثلاثة المعروفة لحفص عن عاصم وموافقيه فحسب ويلاحظ عند الوقف على الميم في كلتا الحالتين - أي حالة الإستعاذة وحالة الجمع بين السورتين - المد الطويل بالإجماع كما هو مقرر والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأكرم.

 

الاسمبريد إلكترونيرسالة