(فأكله الذئب)
ذكر الخطيب
البغداديّ رحمه الله في التّاريخ، قال:
" سألت
خلف بن هشام لم سمّي الكسائي كسائياً؟
فقال دخل
الكسائيّ الكوفة فجاء إلى مسجد السّبيع، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه،
فتقدّم الكسائي مع أذان الفجر، فجلس وهو ملتفّ بكساء كان من البر الأسود، فلما
صلّى حمزة قال: من تقدّم في الوقت يقرأ.
فقيل له:
الكسائي أوّل من تقدّم، يعنون صاحب الكساء.
فرمقه القوم
بأبصارهم فقالوا: إن كان حائكاً فسيقرأ سورة يوسف، وإن كان ملّاحاً فسيقرأ سورة
طه، فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف، فلمّا بلغ إلى قصّة الذّئب قرأ: ( فأكله الذّيب )
بغير همزة فقال له حمزة: الذئب بالهمز!
فقال له
الكسائي: وكذلك أهمز الحوت (فالتقمه الحؤت)؟!
قال: لا .
قال: فلم همزت
الذئب ولم تهمز الحوت، وهذا (فأكله الذئب) وهذا (فالتقمه الحوت)؟!
فرفع حمزة
بصره إلى خلّاد الأحول ـ وكان أجمل غلمانه ـ فتقدّم إليه في جماعة من أهل المجلس
فناظروه فلم يصنعوا شيئاً.
فقالوا: أفدنا
يرحمك الله؟
فقال لهم
الكسائي: تفهّموا عن الحائك، تقول إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب الرجل، ولو
قلت استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول قد استذاب الرجل إذا استذاب
شحمه بغير همز، وإذا نسبته إلى الحوت تقول قد استحات الرجل أي: كثر أكله لأن الحوت
يأكل كثيراً، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلّة همز الذئب ولم يهمز الحوت، وفيه
معنى آخر: لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم:
أيها الذئب
وابنه وأبوه * * أنت عندي من أذؤُبٍ ضاريات
قال: فسمّي
الكسائي من ذلك اليوم "
فانظروا رحمكم
الله كيف انتصر الكسائي للغة الهمز وهي لغة حمزة، ولم ينتصر للغته وهي الإبدال ،
وهذا الذي يسمى التفصح في اللغة إي إظهار فصاحة لغة الغير في موضعٍ ما ويبقى على لغته
في باقي المواضع وتكون هي الأصل.