باب: مذاهبهم في الراءات
لتحميل شرائح شرح الباب اضغط هنا
لتحميل حلقة الشرح اضغط هنا
أي باب حكم الراءات أو باب
الإمالة الواقعة في الراءات، وقد سبق إمالة الألفات والهاءات، وقد عبر في هذا
الباب عن الإمالة بالترقيق؛ تنبيها على أنها إمالة بين اللفظين، وقد عبر عنه
الداني في التيسير بالإمالة، والترقيق من أسماء الإمالة، فلهذا قال الشاطبي:
"وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا"، وقد تقدم ذكر إمالة ورش لذوات الراء
بين بين، وهذا الباب تتمة لمذهبه في إمالة الراء، حيث لا يميلها غيره، وهو إذا لم
يكن بعدها ألف، أو كان، ولكنها ألف غير طرف أو ألف تثنية نحو: "فراش" و"ساحران".
فقوله: "وما بعد راء
شاع حكما" لا يدخل فيه هذان النوعان؛ لأن الإمالة المذكورة في ذلك البيت
للألف لا الراء، وجاءت إمالة الراء تبعا لها، والمذكور في هذا الباب إمالة الراء
لا الألف، فلم يضر وقوع ألف التثنية بعدها ولا غيرها، وإن كان قد خالف في بعض هذا
مخالف، على ما سنذكره إن شاء الله سبحانه، والله أعلم.
وَرَقَّقَ
وَرْشٌ كُلَّ رَاءٍ وَقَبْلَهَا ... مُسَكَّنَةً يَاءٌ أَوِ الْكَسْرِ مُوصَلا
رقق: أي أمال بين بين قال
في التيسير: اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين، وكذا قال في باب
الإمالة وقال مكي: كان ورش يرقق الراء، فيعلم من هذا الإطلاق أن الترقيق في هذا
الباب عبارة عن إمالة بين بين ويستخرج من هذا أن إمالة الألفات بين بين على لفظ
الترقيق في هذا الباب على ما ينطق به قراء هذا الزمان، وقد نبهنا على ذلك في شرح
قوله: وذو الراء ورش بين بين فالمراد من ترقيق الراء تقريب فتحها من الكسرة،
وقوله: كل راء يعني ساكنة كانت أو متحركة بأي حركة تحركت على الشروط المذكورة إلا
ما يأتي استثناؤه، وقوله: مسكنة حال مقدمة لو تأخرت لكانت صفة للياء والواو في
وقبلها للحال أي رققها في حال كون الياء السكنة قبلها نحو:
"غير"،
و"الخير"، و"لا ضير"، و"ميراث"،
و"فقيرا"، و"المغيرات"، ولا يكون قبل الياء الساكنة إلا مفتوح
أو مكسور وقد مثلنا بالنوعين ثم قال: أو الكسر أي أو أن يكون قبل الراء كسر نحو:
"الآخرة"
و"باسرة" و"المدبرات".
ولا فرق في المكسور بين أن
يكون حرف استعلاء أولا، وتقع حروف الاستعلاء قبلها إلا الغين نحو: {نَاضِرَةٌ
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، {قَاصِرَاتُ} ، {قَطِرَانٍ} ، ونحوه فهذه ستة ودخل
ذلك كله تحت قوله: كل راء أي سواء توسطت أو تطرفت لحقها تنوين أو لم يلحقها كان
المكسور قبلها حرف استعلاء أو غير حرف استعلاء فالراء مرققة محالة بين اللفظين
لورش سواء وصل الكلمة أو وقف عليها وقوله: موصلا حال من الكسر أي يكون الكسر موصلا
بالراء في كلمة واحدة احترازا مما يأتي ذكره وهو: الكسر العارض، والمفصل والغرض من
الإمالة والترقيق مطلقا اعتدال اللفظ، وتقريب بعضه من بعض بأسباب مخصوصة وأسباب
ترقيق الراء هنا لورش: أن يكون قبلها ياء ساكنة أو كسرة لازمة متصلة لفظا أو
تقديرا والله أعلم.
وَلَمْ يَرَ
فَصْلاً سَاكِنًا بَعْدَ كَسْرَةٍ ... سِوى حَرْفِ الاِسْتِعْلاَ سِوَى الخَا
فَكَمَّلا
أي لم يعتد بالحرف الساكن
الذي وقع فصلا بين الكسرة اللازمة والراء فأعمل الكسرة ما تقتضيه من الترقيق كأنها
قد وليت الراء وذلك نحو:
"إكراه"
و"إكرام" و"سدرة"، فرقق؛ لضعف الفاصل بسكونه؛ فإن كان الفاصل
الساكن حرف استعلاء قوي المانع فإنه لقوته في منع الإمالة لا يضعف بكونه ساكنا كما
يضعف غيره، ولا يقع كذلك من حروف الاستعلاء إلا الصاد والطاء والقاف نحو:
"إصرا" و"قطرا" و"وقرا".
واستثنى من حروف الاستعلاء
الخاء فلم يعتد بها فاصلا نحو إخراجا؛ لأنها ضعفت عن أخواتها بالهمس والصاد وإن
كانت مهموسة إلا أنها مطبقة ذات صفير فقويت فمنعت فإن قلت قوله: ولم ير من رؤية
القلب فأين مفعولاه؟ قلت: فصلا هو المفعول الثاني وساكنا هو الأول أي لم ير الساكن
فصلا وقوله: ساكنا نكرة في سياق النفي فهي للعموم فاستثنى من ذلك العموم حروف
الاستعلاء فقوله: حرف بمعنى حروف اكتفى بالمفرد عن الجمع للدلالة على الجنس، ثم
استثنى الخاء من هذا الجنس فهو استثناء من استثناء والاستثناء مغاير في الحكم
للمستثنى منه؛ فحروف الاستعلاء فاصلة والخاء ليست فاصلة فهو كقولك: خرج القوم إلا
العبيد إلا سالما فيكون سالم قد خرج، وقصر الناظم لفظي الاستعلاء والخاء ضرورة،
والضمير في: ولم ير، وفي: فكملا لورش؛ أي كمل حسن اختياره بصحة نظره حين اختزل
الخاء من حروف الاستعلاء فرقق بعدها:
وَفَخَّمَهَا في
الأَعْجَمِيِّ وَفِي إِرَمْ ... وَتَكْرِيرِهَا حَتَّى يُرى مُتَعَدِّلاَ
ذكر في هذا البيت ما خالف
فيه ورش أصله فلم يرققه مما كان يلزم ترقيقه على قياس ما تقدم والتفخيم ضد الترقيق
أي وفخم ورش الراء في الاسم الأعجمي أي الذي أصله العجمة وتكلمت العرب به ومنعته
الصرف بسببه والذي منه في القرآن ثلاثة: "إبراهيم"،
و"إسرائيل"، و"عمران"، كان يلزمه ترقيق رائها؛ لأن قبلها
ساكنا بعد كسرة وليس الساكن حرف استعلاء، ثم قال وفي إرم أي وفخم الراء في: {إِرَمَ
ذَاتِ الْعِمَادِ}.
وكان يلزمه ترقيقها؛ لأنها
بعد كسرة وإرم أيضا اسم أعجمي وقيل عربي فلأجل الخلاف فيه أفرده بالذكر، ووجه
تفخيم ذلك كله التنبيه على العجمة، ورقق أبو الحسن بن غلبون: {إِرَمَ} ؛ لأن
الكسرة وليت الراء بخلاف البواقي وأما: {عَزِيزٌ} ، فلم يتعرضوا له وهو أعجمي وقيل
عربي على ما يبين في سورته فيتجه فيه خلاف مبني على ذلك ثم قال: وتكريرها أي، وفخم
الراء أيضا في حال تكريرها، أو في ذي تكريرها أي في الكلمة التي تكررت الراء فيها
يعني إذا كان في الكلمة راءان نحو: "فرارا" و"ضرارا" و"لن
ينفعكم الفرار" و"إسرارا" و"مدرارا"، لم ترقق الأولى وإن
كان قبلها كسرة؛ لأجل الراء التي بعدها فالراء المفتوحة والمضمومة تمنع الإمالة في
الألف كما تمنع حروف الاستعلاء فكذا تمنع ترقيق الراء وقوله: حتى يرى متعدلا يعني
اللفظ، وذلك أن الراء الثانية مفخمة؛ إذ لا موجب لترقيقها، فإذا فخمت الأولى اعتدل
اللفظ، وانتقل اللسان من تفخيم إلى تفخيم فهو أسهل والله أعلم.
وَتَفْخِيمُهُ
ذِكْرًا وَسِتْرًا وَبَابَهُ ... لَدى جِلَّةِ الأَصْحَابِ أَعْمَرُ أَرْحُلا
ذكر في هذا البيت ما اختلف
فيه مما فصل فيه بين الكسر والراء ساكن غير حرف استعلاء فذكر مثالين على وزن واحد
وهما: "ذكرا" و"سترا"، ثم قال: وبابه أي وما أشبه ذلك، قال
الشيخ: وبابه يعني به كل راء مفتوحة لحقها التنوين، وقبلها ساكن قبله كسرة نحو:
"حجرا" و"صهرا" و"شيئا إمرا" و"وزرا".
فالتفخيم في هذا هو مذهب
الأكثر، ثم علل ذلك بأن الراء قد اكتنفها الساكن والتنوين فقويت أسباب التفخيم،
قلت: ولا يظهر لي فرق بين كون الراء في ذلك مفتوحة أو مضمومة بل المضمومة أولى
بالتفخيم؛ لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم، وذلك قوله تعالى: {هَذَا ذِكْرُ} ، فإن
كان الساكن الذي قبل الراء قد أدغم فيها فالترقيق بلا خلاف نحو: "سرا"
و"مستقرا".
وفي الرّاء عن ورش سوى ما
ذكرته ... مذاهب شذّت في الأداء توقّلا
المعنى: أنه ورد عن ورش
مذاهب كثيرة في الراء غير ما ذكره، وهذه المذاهب شذّ ارتفاعها ونقلها في طرق
الأداء، فلا يحفل بها ولا يعنينا ذكرها، ولذلك أمسك عن بيانها لضعفها وشذوذها و
(توقلا) مصدر توقل في الجبل إذا صعد فيه.
ولا بدّ من
ترقيقها بعد كسرة ... إذا سكنت يا صاح للسّبعة الملا
المعنى: يجب ترقيق الراء
إذا سكنت بعد كسرة للقراء السبعة بشرط أن تكون الكسرة لازمة سواء كانت الراء
متوسطة نحو: فِرْعَوْنَ*، الْإِرْبَةِ وشِرْعَةً، مِرْيَةٍ*، أم متطرفة نحو:
فَاصْبِرْ*، فَانْتَصِرْ،
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ*. سواء كان سكونها أصليّا كهذه الأمثلة أم عارضا نحو:
قَدْ قُدِرَ، سِحْرٌ
مُسْتَمِرٌّ، وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ. فإذا كانت الكسرة عارضة وجب تفخيمها
لجميع القراء أيضا نحو: أَمِ ارْتابُوا، لِمَنِ ارْتَضى. ونحو: ارْكَعُوا* عند
البدء بهذه الكلمة؛ لأن همزة الوصل عارضة فحركتها كذلك، وهذا الحكم هو وجوب
ترقيقها إذا سكنت بعد الكسرة اللازمة ثابت لها إذا لم يكن بعدها حرف استعلاء، فإن
كان بعدها حرف استعلاء؛ فسيذكر حكمها في البيت الآتي. و (يا صاح) منادي مرخم أي يا
صاحبي. و (الملأ) الأشراف.
وما حرف
الاستعلاء بعد فراؤه ... لكلّهم التّفخيم فيها تذلّلا
ويجمعها قظ خصّ
ضغط وخلفهم ... بفرق جرى بين المشايخ سلسلا
المعنى: يعني واللفظ الذي
وقع حرف الاستعلاء فيه بعد رائه فراء هذا اللفظ تذلل التفخيم فيها لكل القراء أي
انقاد بسهولة، فإذا وقع بعد الراء حرف من أحرف الاستعلاء السبعة (1) وجب تفخيمها
لكل القراء، ورش وغيره سواء كانت ساكنة وهي في: وَإِرْصاداً بالتوبة، ومِرْصاداً
بالنبإ، لَبِالْمِرْصادِ في الفجر فِي قِرْطاسٍ بالأنعام، فِرْقَةٍ مِنْهُمْ في
التوبة. أم كانت الراء متحركة- وإن حالت الألف بينها وبين حرف الاستعلاء إذ الألف
حاجز غير حصين- وقد وقع من حروف الاستعلاء بعد الراء المتحركة في القرآن الكريم:
القاف والضاد والطاء. فأما القاف فوقعت في ثلاثة مواضع، هذا فِراقُ بَيْنِي
وَبَيْنِكَ في الكهف، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ في القيامة، بِالْعَشِيِّ
وَالْإِشْراقِ في ص، وأما الضاد ففي موضعين: أَوْ إِعْراضاً في النساء، وَإِنْ
كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ في الأنعام. وأما الطاء ففي لفظ صِراطَ* حيث
ورد في القرآن الكريم سواء كان منكرا أم معرفا. فيجب
تفخيم الراء في هذا لجميع
القراء بشرط أن يكون حرف الاستعلاء مع الراء في كلمة كما ذكر في الأمثلة، فإن كانت
الراء في كلمة وحرف الاستعلاء في كلمة بعدها؛ فلا اعتبار لحرف الاستعلاء حينئذ فلا
يمنع ترقيق الراء لورش سواء حال بينه وبين الراء حائل غير الألف نحو: حَصِرَتْ
صُدُورُهُمْ أم وقع بعد الراء مباشرة نحو: الذِّكْرَ صَفْحاً، يا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ، لِتُنْذِرَ قَوْماً* عند ورش، ونحو:
أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ،
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا عند ورش، وغيره.
ثم ذكر أن اختلاف القراء
في راء فرق في سورة الشعراء فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ جرى بين المشايخ فمنهم من فخمها
نظرا لوقوع حرف الاستعلاء بعدها، ومنهم من رققها نظرا لكسر
حرف الاستعلاء، والوجهان
صحيحان لكل القراء، ومعنى (قظ خص ضغط) أي أقم في القيظ في خص ذي ضغط أي خص ضيق من
القصب؛ أي اقنع من الدنيا بمثل ذلك واسلك طريق السلف الصالح ولا تهتم بزينتها.
وما بعد كسر
عارض أو مفصّل ... ففخّم فهذا حكمه متبذّلا
المعنى: أمر بتفخيم الراء
لورش إذا وقعت بعد كسر عارض متصل نحو: امْرَأَتُ*، امْرُؤٌ، امْرَأَ. عند البدء
بهذه الكلمات- ولجميع القراء ورش وغيره- إذا وقعت بعد هذا الكسر العارض المتصل
نحو: ارْتابُوا، ارْجِعُوا*، ارْجِعِي، ارْكَعُوا*، ارْكَبُوا. حين البدء بهذه
الكلمات؛ فيجب تفخيم الراء في جميع ما ذكر عند جميع القراء نظرا لعروض الكسر قبله،
وإنما كان الكسر في هذه الأمثلة ونحوها عارضا؛ لأن همزة الوصل نفسها عارضة؛ لأنه
لا يؤتي بها إلا حال البدء للتوصل إلى النطق بالساكن، وإذا كانت همزة الوصل نفسها
عارضة، كانت حركتها عارضة كذلك أمر بتفخيم الراء لجميع القراء ورش وغيره إذا وقعت
بعد كسر منفصل عنها بأن يكون في كلمة غير كلمتها سواء كان هذا الكسر المنفصل لازما
نحو: رَبِّ ارْجِعُونِ، الَّذِي ارْتَضى بالنسبة للجميع، ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ
سَوْءٍ، فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ، بِحَمْدِ رَبِّهِمْ*، بِأَمْرِ رَبِّكَ
بالنسبة لورش. أم كان عارضا نحو قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ، إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ بالنسبة لورش، أَمِ ارْتابُوا وإِنِ ارْتَبْتُمْ*،
لِمَنِ ارْتَضى بالنسبة لجميع القراء.
ومن الكسر المنفصل بالنسبة
لورش نحو: بِرَسُولٍ، بِرازِقِينَ، بِرُؤُسِكُمْ، بِرَشِيدٍ، لِرَبِّكِ*،
لِرُقِيِّكَ، وَلِرَسُولِهِ. وإنما كان الكسر منفصلا في هذه الأمثلة ونحوها؛ لأن
حرف الجر منفصل تقديرا عن الكلمة التي دخل عليها؛ إذ الجار ومجروره كلمتان
مستقلتان حرف واسم فهما وإن اتصلا لفظا وخطّا منفصلان حكما وتقديرا. وقوله:
(متبذلا) حال يشير به إلى
أن التفخيم مشهور عند العلماء مبذول بينهم مستفيض.
وما بعده كسر أو
اليا فما لهم ... بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا
المعنى: ذكر الناظم في صدر
هذا الباب أن ورشا يرقق الراء المفتوحة والمضمومة إذا وقع قبلها ياء ساكنة أو كسرة
فهما الموجبان لترقيقها، وأشار في هذا البيت إلى أن بعض أهل الأداء رققوا الراء
إذا وقع بعدها كسرة نحو بَيْنَ الْمَرْءِ*، كُرْسِيُّهُ*، رَدِفَ لَكُمْ،
مَرْضِيًّا، لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، مَرْجِعُكُمْ*. أو وقع بعدها ياء
ساكنة نحو: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ*، أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ. أو متحركة نحو:
مَرْيَمَ*، قَرْيَةٍ*. قياسا على ما إذا كانت الكسرة أو الياء قبل الراء.
وبين الناظم أن هؤلاء ليس
لهم فيما ذهبوا إليه نص صريح ونقل صحيح ومستند قوى يعتمد عليه فيظهر ويذاع بين
القراء. وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح ترقيق الراء إذا وقع بعدها كسر أو ياء بل يجب
تفخيمها لجميع القراء.
وما لقياس في
القراءة مدخل ... فدونك ما فيه الرّضا متكفّلا
المعنى: لا يجوز ترقيق
الراء التي بعدها كسرة أو ياء قياسا على ترقيق الراء التي قبلها كسرة أو ياء؛ إذ
ليس للقياس مدخل في القراءة؛ لأن جميع الأوجه والقراءات إنما تعتمد على النقل
المتواتر والتلقي الصحيح المضبوط، فالزم ما نقل عن الأئمة وارتضوه من تفخيم
وترقيق، واعمل على نقله لغيرك، وقد يقال: إن بين هذا البيت وبين قوله في باب
الإمالة (واقتس لتنضلا) تناقضا؛ لأن هذا البيت نفى القياس في القراءة. وقوله:
(واقتس لتنضلا) أمر بالقياس فيها فبين قوليه تدافع ويمكن دفع التناقض بأن المراد
بالقياس المنفي هنا قياس قاعدة كلية على أخرى مثلها والمراد بالقياس المأمور به
هناك: قياس الأمثلة بعضها على بعض فلا تناقض بين الموضعين.
وترقيقها مكسورة
عند وصلهم ... وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا
ولكنّها في
وقفهم مع غيرها ... ترقّق بعد الكسر أو ما تميّلا
أو الياء تأتي
بالسّكون ورومهم ... كما وصلهم فابل الذكاء مصقّلا
المعنى: الراء المكسورة قد
تكون في أول الكلمة نحو: رِجالٌ*، رِسالَةَ، رِضْوانٌ*. وقد تكون في وسطها نحو:
فَرِحِينَ*، الشَّاكِرِينَ*، وَالْغارِمِينَ. وقد تكون في آخرها نحو: إِلى شَيْءٍ
نُكُرٍ، وَدُسُرٍ، بِقَدَرٍ*. فإذا كانت في أول الكلمة أو في وسطها: وجب ترقيقها
لكل القراء وصلا ووقفا، وإن كانت في آخر الكلمة وجب ترقيقها لجميع القراء وصلا
سواء كانت حركتها أصلية
نحو مِنْ مَطَرٍ. أم عارضة نحو:
وَأَنْذِرِ النَّاسَ
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ* وَانْحَرْ) إِنَّ شانِئَكَ في قراءة ورش. وأما في الوقف
فينظر إلى ما قبلها فإن كان مفتوحا نحو: كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ، فِي جَنَّاتٍ
وَنَهَرٍ. أو مضموما نحو: إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ*، فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. أو
ألفا نحو: غَيْرَ مُضَارٍّ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ*. أو واوا نحو هَلْ تَرى مِنْ
فُطُورٍ، فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ. أو حرفا ساكنا صحيحا نحو: مَعَ الْعُسْرِ* مِنْ
كُلِّ أَمْرٍ. فإنه يجب تفخيمها في هذه الأحوال كلها، وكذلك حكم المفتوحة
والمضمومة؛ فإنها يفخمان في هذه الأحوال. فالمفتوحة بعد فتح نحو:
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ.
وبعد ضم نحو: وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، لِيَفْجُرَ. وبعد ألف نحو:
إِنَّ الْأَبْرارَ*،
وَإِنَّ الْفُجَّارَ. وبعد واو نحو: لَنْ تَبُورَ، وَهَلْ نُجازِي إِلَّا
الْكَفُورَ.
وبعد الحرف الساكن الصحيح
نحو: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
والمضمومة بعد فتح نحو:
فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وبعد ضم نحو: جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ
النُّذُرُ، وبعد ألف نحو: تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ*. وبعد واو نحو:
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ،
وَهُوَ الْغَفُورُ*. وبعد الحرف الساكن الصحيح نحو: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ، مِنْ
شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ.
وإن كان ما قبلها- أي
المكسورة- مكسورا نحو: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ*، عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ فإنه
يجب ترقيقها ويدخل في هذا ما إذا حال بين الراء وبين الكسر حاجز غير حصين نحو:
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، مِنَ السِّحْرِ؛ فترقق أيضا.
فإن كان الحاجز حصينا وهو
حرف الاستعلاء، وقد وقع ذلك في عَيْنَ الْقِطْرِ ففيها الترقيق والتفخيم ولكن
الترقيق أولى. وهذان الوجهان ثابتان أيضا في الوقف على مِصْرَ*- وإن كانت راؤها
مفتوحة- ولكن التفخيم فيها أولى، وكذلك ترقق المكسورة وقفا إذا كان قبلها ألف
ممالة نحو: مِنْ أَنْصارٍ*، كِتابَ الْأَبْرارِ. بالنسبة لمن يميل أو كان قبلها
ياء ساكنة نحو: مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ، مِنْ خَيْرٍ*. والمفتوحة والمضمومة يشاركان
المكسور في الترقيق عند الوقف إذا كان قبل كل منهما كسرة نحو: مِنْ أَساوِرَ*،
وَازْدُجِرَ، إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ*، وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ. ويدخل في هذا
ما كان بين الراء والكسر حاجز غير حصين- وهو حرف الاستفال- نحو: وَما عَلَّمْناهُ
الشِّعْرَ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ*. وتشارك المفتوحة والمضمومة المكسورة أيضا في
الترقيق عند الوقف، إذا كان قبل كل منهما ياء ساكنة نحو: لا ضَيْرَ وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ، فَهُوَ خَيْرٌ*، وَاللَّهُ قَدِيرٌ.
وهذا معنى قول الناظم:
(ولكنها في وقفهم مع غيرها إلخ) فإنه أراد بالغير المفتوحة والمضمومة أى ولكنها-
المكسورة- ترقق في الوقف مع المفتوحة والمضمومة إذا وقع كل منهما بعد الكسر أو
الحرف الممال أو الياء الساكنة وإن كانت المفتوحة والمضمومة لا تقعان بعد الألف
الممالة كما لا يخفى، فيكون المراد أنهما يشاركان المكسورة فيما يمكن المشاركة فيه
من الحالين المذكورين، وهذه الأحكام إذا وقفت على الراء بالسكون المحض، أما إذا
وقفت عليها بالروم:
فقد بيّن الناظم حكمها في
قوله: (ورومهم كما وصلهم).
المعنى: أن حكم الراء حين
الوقف عليها بالروم كحكمها عند الوصل، فإن كانت في الوصل مرققة بأن كانت مكسورة؛
وقفت عليها بالروم مرققة، وإن كانت في الوصل مفخمة بأن كانت مضمومة- إذ الروم لا
يدخل المفتوح- وقفت عليها بالروم مفخمة، اللهم إلا إذا كان قبل المضمومة كسرة نحو:
هُوَ الْقادِرُ. أو ياء ساكنة نحو: وَهُوَ حَسِيرٌ. ووقفت بالروم لورش؛ فإنك ترقق
الراء؛ لأنه يقرؤها بالترقيق وصلا.
والخلاصة: أنه في حال
الوقف عليها بالروم ينظر إلى حركتها، وفي حال الوقف عليها
بالسكون المحض ينظر إلى
حركة ما قبلها وقوله: (وترقيقها) مبتدأ وخبره (عند وصلهم)، و (تفخيمها) مبتدأ و
(أجمع) خبره. و (أشملا) تمييز وهو جمع شمل. والمعنى: هو أجمع أشملا من ترقيقها،
وفي ذلك إشارة إلى كثرة الناقلين للتفخيم وقلة من نبه على الترقيق.
وقوله: (قابل) أي اختبر
الذكاء وحدة الذهن. و (التصقيل) بمعنى الصقل: إزالة الصدأ، وهو نعت لمصدر محذوف أى
بلاء مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدره.
وفيما عدا هذا
الّذي قد وصفته ... على الأصل بالتّفخيم كن متعمّلا
اللغة: (كن متعملا) بمعنى:
عاملا.
والمعنى: اعمل بالتفخيم
الذي هو الأصل في الراءات فيما عدا ما ذكرته من القواعد التي يرقق ورش بمقتضاها
بعض الراءات والقواعد التي يرقق جميع القراء السبعة بمقتضاها بعض الراءات والله
تعالى أعلم.