لفظة (أعيبها) في سورة الكهف
ورد في قول الله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ
يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿٧٩﴾) وما زال السياق هو قصة موسى عليه السلام
والعبد الصالح والمقام هنا مقام خرق السفينة وهو القصد إلى إعابتها حتى لا يستولي
عليها الملك الظالم حيث إنها كانت لمساكين يعملون في مهنة الصيد والتجارة في
البحر. والفعل (أعيبها) يبدو أنه أنسب الأفعال في مقامه لأننا لو أبدلناه بـ
(أتلفها) أو (أكسرها) أو (أفسدها) لغرقت السفينة بالفعل وغاصت في البحر وهلك من
فيها. ولكن (أعيبها) ينصرف إلى الفعل الظاهري الخفيف الذي يشوّه ولا يُفسد، وبهذا
الفعل دون غيره يتحقق الغرضان اللذان هدف إليهما العبد الصالح وهما: عدم طمع الملك
الظالم فيها لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة لا معيبة، والثاني الحفاظ عليها لهؤلاء المساكين
الذين يرتزقون بسببها. ومن بلاغة التعبير أيضًا أنه أخّر السبب (وهو الخوف من
غصبها) وقدّم المسبب وهو (أن أعيبها) لأنه كما يقول الزمخشري: على نيّة التأخير
وإنما قدّم للعناية ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده ولكن مع كونها لمساكين.
ويضيف أحمد الإسكندري في "الانتصاف" ما رآه من أسلوب عجيب في هذه الاية
وكيف تتغاير الأساليب ولا تأتي على نمط واحد مكرر يمجّها السامع وينبو عنها الطبع
وذلك حيث أسند العبد الصالح إرادة العيب إلى نفسه (أردت أن أعيبها) بينما أسند
ضمير الجماعة والمعظّم نفسه في قوله تعالى (فأردنا أن يبدلهما ربهما) و (فخشينا أن
يرهقهما) وذلك من باب الأدب مع الله، لأن المراد ثمّ عيب فتأدّب ثم نسب الإعابة
إلى نفسه، وأما الإسناد في ضمير الجمع فالظاهر أنه من باب قول الملك: أمرنا بكذا
أو دبّرنا كذا، وإنما يعنون أَمَرَ الملك ودبّر، ويدل على ذلك قوله في الثالثة
(فأراد ربك أن يبلغا أشدّهما).الفرائد القرآنية - بلاغة لفظة (أعيبها) في سورة
الكهف