قلب المنافق
الحلقة كاملة هنا
هو قلب أبصر النور ولم يتبعه ، ورأى الطريق ولم يسلكه هو القلب الذي لم
يتمكن فيه الإيمان ولم يُزهر فيه سراجُه حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث الله به
رسوله بل فيه مادة منه ومادة من خلافه فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان وتارة
يكون للإيمان أقرب منه للكفر والحكم للغالب وإليه يرجع.
أوصاف قلب المنافق في القرآن الكريم
قلب مريض([1])، قلب لاهٍ([2])،
قلب زائع([3])، قلب غافل([4])،
قلب أعمى([5])، قلب غليظ([6])،
قلب مشَتَّتْ([7])، قلب متحَسِّر([8])،
قلب مرتاب([9])، قلب مصروف عن الحق([10]).
والنفاق ليس على درجة واحدة بل على درجات متفاوتة ، فقال الله تعالى(إِذْ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ
دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[الأنفال 49]
وقال تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب 12]
وقال تعالى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ
ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) [الأحزاب 60]
قال في التحرير والتنويرفي سورة الأنفال: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ
ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُمْ
طَائِفَةٌ غَيْرُ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ هُمْ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ
مِنْ قُلُوبِهِمْ. فَيَقُولُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا لَهُمْ مِنَ الشَّكِّ
فِي صِدْقِ وَعْدِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ
مُوَالِينَ لِلْمُنَافِقِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِهِ بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ([11]).
وقال القرطبي: المنافقون : الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر والذين في
قلوبهم مرض : الشاكون وهم دون المنافقين لأنهم حديثو العهد بالإسلام وفيهم بعض ضعف
نية([12])
قال في نظم الدرر: {المنافقون} أي الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام
{والذين في قلوبهم مرض} أي مقرب من النفاق حامل على المعاصي {والمرجفون في
المدينة} وهم الذين يشيعون الأخبار المخيفة لأهل الإسلام التي تضطرب لها القلوب
سواء كانوا من القسمين الأولين أم لا([13]).
و قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ
اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ
لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ
نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ
مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)([14]).
وعبر عن هذه الفئة بأنهم أقرب للكفر، وأخبر أنهم يتكلمون (بأفواههم) أي بملء الفم،
وعندما تكلم عن الفئة الآخرى الأقل منها في النفاق قال تعالى (سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا
فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ
فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ
أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)([15])
هنا قال بأنهم يتكلمون بألسنتهم واللسان مدغم في الفم كناية عن إسرارهم بها في
أنفسهم، وأنهم قالوا للنبي e استغفر لنا، أما الفئة الأولى فقد قال الله
في حقهم ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ
لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)([16]).
صفات المنافقين في القرآن الكريم وكأنك تراهم
قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ
يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ
كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ)([17])
قال البقاعي في نظم الدرر {تعجبك أجسامهم} لضخامتها وصباحتها، فإن غايتهم
كلها بصلاح ظواهِرهم وترفيه أنفسهِم، فهم أشباحٌ وقوالبُ، ليس وراءها ألباب
وحقائق... {تسمع لقولهم} أي لأنه يكون حديثهم بحيث يلذذ السمع ويروق الفكر لما فيه
من الادهان مع الفصاحة فهو يأخذ بمجامع القلب([18]).
وقال الشوكاني: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ أَيْ:
هَيْئَاتِهِمْ وَمَنَاظِرِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ لَهُمْ أَجْسَامًا تُعْجِبُ مَنْ
يَرَاهَا لِمَا فِيهَا مِنَ النَّضَارَةِ وَالرَّوْنَقِ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ
لِقَوْلِهِمْ فَتَحْسَبُ أَنَّ قَوْلَهُمْ حَقٌّ وَصِدْقٌ لِفَصَاحَتِهِمْ
وَذَلَاقَةِ أَلْسِنَتِهِمْ([19]).
وقال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ
يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ * وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ
بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
أَعْمالَكُمْ)([20])
يقولون ما لا يفعلون، قولهم في جانب وفعلهم في جانب آخر ، يلبسون مسوح
الحملان على قلوب الذئاب. قال يحيى بن معاذ رحمه الله : «القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها
ومغارفها ألسنتها فانتظر الرجل حتى يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين
حلو وحامض وعذب وأجاج، يخبرك عن طعم قلبه اغترافُ لسانه»([21]).
وقال عنهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا
قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلا قَلِيلا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا
إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)([22])
مخادعون، لا يسلكون الطريق السوي، غير واضحين ضعفاء يكيدون ، حيارى لا
يهتدون،
وقال تعالى (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ
الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً
عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ
يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي
الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا
قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)([23])
قال في التحرير والتنوير: فَمَعْنَى
تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أَنَّهَا تَضْطَرِبُ فِي أَجْفَانِهَا كَحَرَكَةِ الْجِسْمِ
الدَّائِرَةِ مِنْ سُرْعَةٍ تَنْقُلُهَا مُحَمْلِقَةٍ إِلَى الْجِهَاتِ
الْمُحِيطَةِ. وَشَبَّهَ نَظَرَهَمْ بِنَظَرِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ
النَّزْعِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ عَيْنَيْهِ تَضْطَرِبَانِ([24])
وفي البخاري: أنَّ امْرَأَةً
قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ لي ضَرَّةً، فَهلْ عَلَيَّ جُناحٌ إنْ
تَشَبَّعْتُ مِن زَوْجِي غيرَ الذي يُعْطِينِي؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ: المُتَشَبِّعُ بما لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ.([25])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلْمُنَافِقِينَ عَلامَاتٌ يُعْرَفُونَ بِهَا:
تَحِيَّتُهُمْ لَعَنَةٌ، وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ، وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ، وَلا
يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا، وَلا يَقْرَبُونَ الصَّلاةَ إِلا دَبْرًا،
مُسْتَكْبِرِينَ، لا يَأْلَفُونَ وَلا يُؤْلَفُونَ ".
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ
يَسْتَخْفِي الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ، كَمَا يَسْتَخْفِي الْمُنَافِقُ فِيكُمُ
الْيَوْمَ» .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ثَلاثًا، وَهُوَ
كَائِنٌ، زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَدُنْيَا تَفْتَحُ
عَلَيْكُمْ»
قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ «إِنَّمَا يُهْلِكُ
هَذِهِ الأُمَّةَ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ»
في النهاية المنافق ممثل مسرحي، يجيد الكذب، ويستطيع أن يقدم كل الأدوار،
ويبدع في إقناعك بكذبه وتزييفه.
جزاؤهم يوم القيامة
جزاء المخادعة بالمخادعة، إلا من تاب منهم، قال الله تعالى: (إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ
نَصِيرًا *إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)([26])
العذاب الحلو والعذاب المر
ربما يوصف العذاب أنه محبب للنفس وهو عذاب المحبين، كقول
البهاء زهير:
|
بحُبِّكِ
قَلبي لا يُفيقُ صَبابَة ً |
|
لَهُ أبَداً
هذا الغرامُ غَريمُ |
|
فميعادُ دَمعي
أنْ تَنُوحَ حَمَامَة ٌ |
|
وميعادُ
شَوْقي أنْ يَهُبّ نَسيمُ |
|
وَإنّيَ فيما
يَزْعَمُونَ لَشاعِرٌ |
|
ففي كلّ وادٍ
من هواكِ أهيمُ |
|
شربتُ كؤوسَ
الحبّ وهي مريرة ٌ |
|
وَذُقتُ
عَذابَ الشّوْقِ وَهوَ أليمُ |
|
فيا أيها القومُ
الذينَ أحبهمْ |
|
أما لكمُ قلبٌ
عليّ رحيمُ |
وأما العذاب المر وهو عذاب يوم القيامة
الفرق بين عذاب أليم وعذاب عظيم وعذاب مهين
أولاً: العذاب العظيم
قال تعالى
(وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [البقرة 7] (لهُمْ
فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
[البقرة/114]العذاب العظيم لا يكون إلا في الآخرة فمتى وجدت في القرآن (عذاب عظيم)
فقدر أنه في الآخرة وإن لم يذكر ذلك
ثانيا العذاب
الأليم
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
[البقرة 10] (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم) ٌ[البقرة174] فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ
عَذَابٌ أَلِيم) [البقرة 178]ٌ
العَذاب الأَلِيمُ : الوجع الشديد الذي يَبْلغ إِيجاعُهُ
غاية البلوغ وصيغة فعيل فيها معنى القوة و
الدوام فهو الوجع الشديد الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ وهو لازم والتنكير في نحو
عذاب أليم : للتعظيم والتهويل فهو عذاب لا يكتنه كُنهُه .
أما العذاب
الأليم فقد يكون :
في الدنيا - قال تعالى
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا
عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ
أَلِيمٌ وهذا في الدنيا)
أو في الآخرة - قال تعالى ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وهذا في الآخرة
ويجمع الأمرين قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ)
ثالثا العذاب المُهين..
(فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ
عَذَابٌ مُهِين)ٌ[البقرة90] هؤلاء الذين
أضلّوا الناس وتبعهم الناس على إضلالهم ، هؤلاء لهم يوم القيامة عذابٌ مُهين
يُعذَّبون أمام أتباعهم الذين أضلّوهم ،
والعذاب المهين أشدُّ من العذاب الأليم
(يَكْذِبُونَ.. يُكَذِّبُونَ)
حجة من خفف (يَكْذِبُونَ) أنه أشبه بما قبل الآية وما
بعدها لأنه أخبر عن المنافقين قولهم (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ)([27]) فقد أخبر
عنهم أنهم كاذبون، والذي بعد الآية قوله تعالى (وَإِذَا
لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا)([28]) فأخبر
أيضًا بكذبهم في ذلك وكان إخباره بأنه لهم (عَذَابٌ
أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ )([29])...
وقوَّى هذا الإخبار أيضًا قوله تعالى (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ) [المنافقون 1] ولم يقل: "لَمُكَذِّبُون)([30]).
وعلة من شدَّدَ أنه حمله على قبله وذلك من قوله تعالى (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ
ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ)
والمرض هو الشكُّ ومن شكَّ في شئ فلم
يتيقنه، ولا أقر بصحته فقد كذَّب به وجحده، فهم مُكَذِّبُون لا كاذبون([31]).
([1]) ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10].
([2]) ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ
تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3].
([3]) ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران 7]
([4]) ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
([5]) ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى
الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
([6]) ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ
فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
([7]) مفرّق؛ قال تعالى: ﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي
قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ
يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر: 14].
([8]) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ
كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا
غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ
ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾ [آل عمران: 156].
([9]) ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ
يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45]