-->
U3F1ZWV6ZTIxMjczMTA0OTU1X0FjdGl2YXRpb24yNDA5OTQ5MzAyNzQ=
recent
أخبار ساخنة

صفات قلب المؤمن

 


أنواع القلوب وصفاتها

عن القلب قال تعالى ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء 98: 89]

وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ[1]

وجاء في القرآن آية جمعت بين القلوب الثلاثة فقال(لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[2]

فجعل القلوبَ ثلاثةً (قلوبٌ مريضة) وهي قلوبُ المنافقين ، و (قلوب قاسية) وهي قلوب الكافرين ، ووصفها بأن أهلها ظالمون وفي شقاق بعيد ... وقلوب (مؤمنة) ووصفها بأنهم مهديون إلى صراط مستقيم.

أولاً: قلب المؤمن

الذي هَمُّهُ كُلُّهُ فِي اللَّهِ، وَحُبُّهُ كُلُّهُ لَهُ، وَقَصْدُهُ لَهُ، أَفْكَارُهُ تَحُومُ عَلَى مَرَاضِيهِ وَمَحَابِّهِ. فَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ للَّهِ، وَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ للَّه وَبِاللّه، وَإِنْ تَحَرَّكَ فَبِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِنْ سَكَنَ فَسُكُونُهُ اسْتِعَانَةٌ عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ. تَعْتَرِضُهُ كَثْرَةُ جُيُوشِ الشَّهَوَاتِ، وَتُغِيرُ عَلَى قَلْبِهِ كُلَّ وَقَتٍ، فَهُوَ هَارِبٌ إِلَى رَبِّهِ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الجُيُوشِ، يَتَحَمَّلُ مِنْهَا لأَجْلِ اللَّهِ مَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ. وَحَالُهُ كَمَا قِيلَ:

تَزُولُ الجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ وَقَلْبُهُ ... عَلَى العَهْدِ لَا يَلْوِي وَلَا يَتَغَيَّرُ[3]

ووصفه الله في القرآن بعشرة أوصاف، وصفه بأنه قلب منيب[4]، وقلب وجل[5]، وقلب لَيِّنْ، وقلب رؤوف رحيم ، وقلب سليم، وقلب خاشع، وقلب ساكن، وقلب قوي رابط الجأش[6]، وقلب مخبت.

وهذه الأوصافَ متفاوتةً، فكأنها قُسِّمَت إلى قسمين، وعليهما يترتب الجزاء إلى درجتين متفاوتتين والجنان إلى جنتين.

الدرجة العليا من هذه القلوب، وهو القلب المخبت قال تعالى ( ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحج: 54] قال ابن عباس وقتادة: المتواضعين. وقال مجاهد: المطمئنين إلى الله عز وجل، "والخبت" المكان المطمئن من الأرض. وقال الأخفش: الخاشعين. وقال النخعي: المخلصين. وقال الكلبي: هم الرقيقة قلوبهم. وقال عمرو بن أوس: هم الذين لا يظلِمون وإذا ظُلموا لم ينتصروا[7].

وقلبٌ رءوف رحيم قال تعالى (﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾ [الحديد 27] قال ابن عرفة: الرأفة هي أن تزيل عن الشخص ما يكرهه، مع بقاء تألمك منه، والرحمة أن تزيل عنه ذلك من غير تألم في نفسك[8].

وقلب خاشع لين قال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[الزمر 23]

قال الزمخشري إن قلت: [لم ذكرت*] الجلود وحدها أولا، ثم كرر [معها] القلوب ثانيا؟ فأجاب: بأن ذكر الخشية أولا أغنى عن ذكر القلوب؛ لأنه محلها[9]،

وقال الرازي:  إِنَّ الْخَشْيَةَ تكون مِنْ عَظَمَةِ الْمَخْشِيِّ، وَالْخَوْفُ خَشْيَةٌ مِنْ ضَعْفِ الْخَاشِي[10]

وقال الرازي: إِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعَارِفِينَ قَالُوا: السَّائِرُونَ في مبدأ إجلال اللَّهِ إِنْ نَظَرُوا إِلَى عَالَمِ الْجَلَالِ طَاشُوا، وَإِنْ لَاحَ لَهُمْ أَثَرٌ مِنْ عَالَمِ الْجَمَالِ عَاشُوا .

ومن هنا يأتي الفرق بين القلب الخاشي والقلب الوجل

وقلب ساكن قال تعالى (﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4] قال ابن عرفة: إشارة إلى شدة ثبوتها واستقرارها في القلب؛ لأن الإنزال يقتضي الثبوت لَا سيما من موضع مرتفع بعيد.[11] وقال القاصمي: قال القاشاني: السكينة نور في القلب يسكن به إلى شاهده ويطمئن. وهو من مبادئ عين اليقين، بعد علم اليقين، كأنه وجدان يقينيّ معه لذة وسرور[12].

قلب قوي رابط الجأش، قال تعالى ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف 14) قال ابن عرفة: أي ربطنا الإيمان على قلوبهم فهو إشارة إلى أنه إيمان قوي لَا يؤثر فيه الشكوك ولا يعرض له وهن ولا يدركه خلل بوجه بل هم مصممون عليه كما تربط الحمل على الدابة حتى توقعه من عليها.[13]، وقال البقاعي: أي قويناها، فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد، فكانت حالهم في الجلوة كحالهم في الخلوة[14]. وهذا هو المعني الحقيق للصدق.

وهذا هو القلب السليم الذي دعا إبراهيم عليه السلام أن يلقى ربه به قال ( وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[15]قال الزمخشري: يوم لا ينفع غنىً إلا غنى من أتى الله بقلب سليم، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه[16].

وهذه درجة الصادقين التي وصى بها الله المؤمنين فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[17] والصادقون هم الذين وصفهم الله في القرآن فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[18]

قال البغوي رحمه الله: هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبًا لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة، حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها[19]

وعند الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدَكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)

ولذلك نادى الله على المؤمنين فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[20]

فنادى على المؤمنين وأمرهم بأن يتقوا الله ويكونوا (مع الصادقين) ولم يقل كونوا (من الصادقين) فكأن هذه منزلة قل من يصل إليها، هذه المنزلة التي وصل إليها المهاجرون، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

 وعن هذه المنزلة قال ابن القيم: مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ. الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ، وَالطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ الَّذِي مَنْ لَمْ يَسِرْ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْمُنْقَطِعِينَ الْهَالِكِينَ. وَبِهِ تَمَيَّزَ أَهْلُ النِّفَاقِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَسُكَّانُ الْجِنَانِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ. وَهُوَ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ الَّذِي مَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا قَطَعَهُ. وَلَا وَاجَهَ بَاطِلًا إِلَّا أَرْدَاهُ وَصَرَعَهُ. مَنْ صَالَ بِهِ لَمْ تُرَدَّ صَوْلَتُهُ. وَمَنْ نَطَقَ بِهِ عَلَتْ عَلَى الْخُصُومِ كَلِمَتُهُ. فَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ، وَمَحَكُّ الْأَحْوَالِ، وَالْحَامِلُ عَلَى اقْتِحَامِ الْأَهْوَالِ، وَالْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ الْوَاصِلُونَ إِلَى حَضْرَةِ ذِي الْجَلَالِ. وَهُوَ أَسَاسُ بِنَاءِ الدِّينِ، وَعَمُودُ فُسْطَاطِ الْيَقِينِ. وَدَرَجَتُهُ تَالِيَةٌ لِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعَالِمِينَ. وَمِنْ مَسَاكِنِهِمْ فِي الْجَنَّاتِ تُجْرَى الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ إِلَى مَسَاكِنِ الصِّدِّيقِينَ. كَمَا كَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَدَدٌ مُتَّصِلٌ وَمَعِينٌ.

وقال: وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ: أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ عَلَى الصِّدْقِ. فَقَالَ {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] وَأَخْبَرَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. فَقَالَ {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84] وَبَشَّرَ عِبَادَهُ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ قَدَمَ صِدْقٍ، وَمَقْعَدَ صِدْقٍ. فَقَالَ تَعَالَى {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2] وَقَالَ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ - فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 - 55] .

فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: مُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ، وَقَدَمُ الصِّدْقِ، وَمَقْعَدُ الصِّدْقِ[21].

وسمى الله أصحاب هاتين المنزلة يوم القيامة بالسابقين فقال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ *مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ *يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ *كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ *جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)[22]

وقال على الفئة الثانية (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ *وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ *وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ *ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ)[23]

ورتب الله على هذا الجزاء يوم القيامة فجعل للفئة الأولى جنة، أعلى أوصافًا من الجنة الثانية فقال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ *فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ *فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ*تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[24]



[1] صحيح البخاري 1/90 ومسلم 8/290 وابن حبان 1/533 وسنن الدارمي 2/319 وغيره..

[2] سورة الحج الآية 52:53

[3] إصلاح القلوب لابن القيم 1/32

[4] ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33].

قلب منيب وقلب لين: قال تعالى: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ .

الخشية تستعمل بسبب عظمة المخشيِّ، والخوف يستعمل بسبب ضعف الخائف، والخشية غالباً ما تقابل الرحمة  ولكن القلب السليم ينظر إلى الله بعين المعظم له ، وبعين الرائي لرحمته، فهنا تأتي الإنابة، وتتحقق معنى العبودية، كمال الخضوع لعظمته ، وكمال الحب لرحمته.

قال الزمخشري: والمعنى: أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده: أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم، ثم إذا ذكروا الله ورحمته وجُوده بالمغفرة: لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة .

وقال: تَارَةً تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ وَأُخْرَى تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُقُولَهُمْ تَزُولُ وَأَنَّ أَعْضَاءَهُمْ تَضْطَرِبُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَحْوَالَ لَوْ حَصَلَتْ لَكَانَتْ مِنَ الشيطان [التفسير الكبير للفخر الرازي 26/446، 447]

[5] ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال 2].

[6] ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف 14]

قال البغوي: { وَرَبَطْنَا } شددنا { عَلَى قُلُوبِهِمْ } بالصبر والتثبيت وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم ومفارقة ما كانوا فيه من العز وخصب العيش وفروا بدينهم إلى الكهف .

وقال في روح البيان: ولما كان الخوف والقلق يزعج القلوب عن مقارها كما قال الله تعالى بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ قيل فى مقابلته ربط قلبه إذا تمكن وثبت وهو تمثيل شبه تثبيت القلوب بالصبر بشد الدواب [معالم التنزيل للبغوي 5/156]

[7] معالم التنزيل للبغوي 5/386

[8] تفسير ابن عرفة لمحمد بن عرفة المالكي 4/168

[9] تفسير ابن عرفة 3/388

[10] التفسير الكبير للفخر الرازي 28/146

[11] تفسير ابن عرفة 4/33

[12] محاسن التأويل للقاصمي 8/485

[13] تفسير ابن عرفة 3/81

[14] نظم الدرر للبقاعي 12/22

[15] سورة الشعراء الآية 87:89

[16] الكشاف للزمخشري 3/320

[17] سورة التوبة الآية 119

[18] سورة الحجرات الآية 15

[19] معالم التنزيل للبغوي 8/75، أي يحفر الحفرة وينام فيها مستدفئًا بها بما بقي فيها من حر الشمس

[20] سورة التوبة الآية 119

[21] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم 2/259

[22] سورة الواقعة الآية 10:26

[23] سورة الواقعة الآية 27:40

[24] سورة الرحمن الآية 46: 78

الاسمبريد إلكترونيرسالة