النبر المفرط في القرآن وأثره على رونق القراءة وجمال القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
فقد دعاني أحد الإخوان
لحضور دورة في النبر في القرآن الكريم وكيفية استقامة الحرف القرآني, فطلب مني الدخول وقال لا أفهم شيئا مما يقولون. ولقد هالني
ما سمعت من الدكتور مقدم هذه الدورة ، وما فيها من التكلف المجحف للحرف القرآني
وأتى بشئ لم يأت به السابقون، وأدخل في أحكام القرآن ما لم يتكلم به أحد ممن سبقنا,
وقد قال الإمام الشاطبي رحمه الله في عرض باب المخارج والصفات قال:
وهاك موازين الحروف وما
حكى جهابذة النقاد فيها محصلا
ولا ريبة في عينهن ولا
ربا وعند صليل الزيف يصدق الابتلا
ولا بد في تعيينهن من
الأولى عنوا
بالمعاني عاملين وقولا
قال ولابد من تعينهن من
الأولى , فهل سبق أن وجدنا بابا في تحفة الأطفال أو الجزرية أو الشاطبية أو الطيبة
معقودًا بهذا المسمى؟ كلا لم يحدث، وهل أصحاب هذا النبر – المبالغ فيه – أتقى أو
أورع أو أنفع لكتاب الله من هؤلاء الأئمة السابقين؟ نكاد لا نرى لفظ النبر ذكر في
كتاب من كتب التجويد أو القراءات, بل ورد العكس، قال ابن الجزري رحمه الله :
وَهُوَ
إِعطْاءُ الْحُرُوفِ حَقَّهَا .. . مِنْ صِفَةٍ لَهَا وَمُستَحَقَّهَا
وَرَدُّ
كُلِّ وَاحِدٍ لأَصلِهِ ... وَاللَّفْظُ فِي نَظِيرِهِ كَمِثْلهِ
مُكَمِّلاً مِنْ غَيْرِ
مَا تَكَلُفِ ... بِاللُطْفِ فِي النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّف
قال باللطف في النطق بلا
تعسف، فقط نعطي الحروف حقها من مخرج وصفة وحركة والمقدار الزمني لصوت الحرف حسب ما يترتب على صفاته. لكن هذا الذي سمعته لم أسمع أحد
من السابقين قرأ بهذه الطريقة ، ولو وضعنا قراءة الشيخ الحصري رحمه الله وهو أتقنهم في هذا الميزان وهذه
الطريقة سنجد أنها قراءة مملوءة باللحن على حد طريقتهم.
وقد قرأت على أكثر من عشرة
مشايخ من أثبت الناس وأتقنهم لم يتعرض أحد بهذا الفجاج الذي سمعته في هذه الدورة،
فقط التنبيه على الركوز على الحروف والحركات وليس أكثر وليس بهذا التعسف، ثم إني
بحثت لعلي أجد من ينكر مثلي ما أنكرت فوجدت هذه الأطروحة الطيبة فآثرت أن أتركها
لكم ففيها ما يغني عن كلامي وعما يجيش بصدري وإليكم الأطروحة بتمامها بلا حذف منها
، هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله منزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا ويسره بقوله ولقد يسرنا القرآن للذكر وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين الذي علم صحابته وبشرهم أيما بشارة وسهله عليهم فانقادوا لمعالمه انقيادا كان فيه ذكرهم في العالمين ، أما بعد فإني أجد من اللازم عرض قضية قراءة القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه ، بعدما اعتد قوم بآرائهم ، واستبدوا بتوجهاتهم ، وبالغوا بتجريحاتهم ، وتمادوا بعدوانهم ، يعيشون بغمرة من الهوى ، يرضى و يرضي بعضهم بعضا ، بل ويسترق بعضهم السمع تنقصا من قراءة الآخرين ، ودعوة لاعتماد مذهبهم ، وهكذا ، فلابد من قول يميط اللثام ، ويريح الأنام ، ويحقق مع كتاب الله الوئام ... متجاوزين مطايا الغلو والتنطع تحت مظلة تعليم القرآن ، متجاوزين قيم السياق ومعاييره وسلامة إقبال المسلم على كتاب ربه ، دون أن نخطر في باله معان يأباها السياق أو السباق ولا الإعراب وسيكون العرض من خلال مجموعة من الوقفات .
الوقفة الأولى :
القرآن الكريم أمانة الله
في أعناقنا قمين بأن نذب عنه ، وندعو أليه ونرغب فيه ، وننشر قراءته ، ونطلق حملة
إسلامية لنشر الثقافة القرآنية القرائية ، للتمتع بسماعه ، والتدبر في كلماته
ومعانيه ، بل ولتمتلئ أفواهنا ولتستمتع حناجرنا وشفاهنا بترنيمات الكلمة القرآنية
، لتكون منطلقا لمتعة العقل والروح بعدما أخذت عيوننا من رسمه حقها من المتعة
والتدبر.. نعم ننشر ذلك ترغيبا وتحفيزا وتيسيرا من منطلق الحب في الله واللقاء على
كتاب الله ، مهما كان مستوى المشارك المقبل عليه فلنقبل عليه بحب وشوق وثناء ..
بما أنه وجه من وجوه سنة و منهج رسول الله ـ
ـ الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ، ومن محاسن ذلك التأديب توفيق الله نبيه
لاستشفاف حاجات النفوس المدعوة لهذا الخير ومن ثم اصطفاء مفاتيح تلك النفوس ، وفق
ما يناسبها ، تمشيا مع المعاني التي يلمح إليها قوله تعالى : ( ولقد يسرنا القرآن
للذكر فهل من مدكر ) ، وقوله تعالى ( الرحمن * علم القرآن ... ) ، نعم تلمح إلى أن
على القارئ المعلم أن ييسر لا أن يعسر ولا أن يشعر الناس بجهلهم أو يستشفون منه التعالي
والاعتداد بالنفس ... بل أن يكون رفيقا رحيما يقرب البعيد ويسهل الصعب ويقبل ما
عسر ويبشر بالخير والتقدم في الأداء ، فالله تعالى قال : ( ولقد يسرنا.. ) ، وهذا
يلمح إلى الأمر بالتيسير ، فالله تعالى يعلم ،
، أن المسلمين بعمومهم لن يبلغوا حد الإتقان في تلاوة كتابه ، سبحانه ،
فمنهم الأعجمي ، ومنهم الأمي ، ومنهم المشغول ، ومنهم غير المتخصص ....
الوقفة الثانية:
إن منطق الرحمة يقتضي عدم
وضع الناس على قدم التسوية التعلمية التعليمية ... فليكن الإقبال حدا في الثناء
على صاحبه ، ولو تعسر الأمر على لسانه ... لقد جاء هذا التلميح العجيب في إطار لغة
الجمع في نون يسرنا التي تحمل عظمة رحمة الله ، من طرف ، كما تحمل إشارة للرحمة
المطلوبة من قبل معلم القرآن الكريم إذ إنه سيواجه ألسنة كثيرة ، ونفوسا متعددة
المستويات والقدرات واللهجات ، وبما أنه تعالى قد بارك التلاقي على كتاب الله فقد
يسر هذا التجمع ويسر تعليمه ، فلابد أن نيسر لهم وجوه الأداء على قدر طاقتهم وما
يعرفون ... وما الأحرف السبعة إلا دليل واضح على التيسير والإعجاز الباهر لتعميمٍ
تعليمي ونشرٍ ثقافي يستوعب طبقات الناس ، مادام القرآن مائدة الجميع .
الوقفة الثالثة :
أقول هذا وأدعو إليه ،
بعدما لمسنا وجوها من الثقافة التي تشكلت عليها جماعات والتزمها شباب محورها
الرئيس فرعيات نصبت وكأنها كليات وأركان ، تقوقع حولها وتنافس فيها فئام من
إخواننا ، بل أصبحت معيار الحكم على التزام هذا والتقرب منه ونبذ ذاك والتشهير به
سراً أو جهراً ... بينما المصدر الرئيس وهو القرآن الكريم مهجور ، حفظا وتدبرا
وتخلقا ... مما أدى للجهل بمبادئ وقيم وأسس إسلامية بل وجهل بقراءة كلمات منه ، مع
أنه يخاصم ويفارق على فرعية اجتهادية ، وتتكون بناء على ذلك الجماعات التي تستعظم
الرجال وتلتزم آراءهم وأفكارهم ...
الوقفة الرابعة :
إننا اليوم أمام هجمة
استعمارية في ظل ضعف عام في أوصال الأمة التي لم تعد لها مرجعية قوة مادية ترد بها
عن نفسها عوادي الغزو ومسارب التحدي لكيان هذه الأمة أمة القرآن ،،، والمرجعية
الهامة في هذه الأمة عندما تضيق بها السبل هي العودة إلى أصل أصولها وهو القرآن
ليكون منطلقا لبقية الأصول والعوامل المهمة لقوة هذه الأمة وما ذلك إلا حدا من
ثقافة المجلات والفضائيات والصحف والتيه والحيرة التي تنتاب النفس في لحظات الضعف
، وفي هذا العصر الذي تطل علينا فيه معالم ثقافة تبتعد عن الثقافة القرآنية وأنفاس
الناس لم تعد أنفاسا قرآنية لما ألمحه من تقصير من قبل المسلمين ذلك التقصير الذي
يلبس أثوابا عدة لعل منها الهجر القسري والهجر الكيفي تحت ضغوط الحياة المادية ،
ومنها أساليب تقديم القرآن إلى الناس حيث نلحظ التعنت والتنطع وكأن على قارئ
القرآن أن يكون اللغوي المبدع والمجود البارع ... و إلا فلا يقرأ أو يتهم و و ...
الوقفة الخامسة :
أخي الكريم أعرض بين يديك
ما ينبغي على المرء المسلم فعله نحو كتاب ربه سبحانه قراءة وحفظا ومنافحة عنه
ودعوة إلى نهجه وتيسيرا للنطق به وحسن أدائه ... ومنع الغلو أو التنطع في قراءته
وجعل سياقه مطية السلامة في معانيه والبعد عن الظن والتخيل في وقوع القارئ في لحون
لم تخطر له على بال ، ذلك أننا نلحظ في هذه الأيام من ضاق به علمه إلى أن حشره في
زاوية التنطع وتخيل لحون لم يأبه بها علماء السلف وهي لحون تخطر في بال من يوقع
الناس في الحرج وإشعارهم أن هذا الفن لا يستطيعه كل أحد وإنما هو حكر عليه وعلى من
نهج نهجه وتبنى خياله إلى درجة تنفير صد كثيرين عن هذا الفن ، وبعدا عن التأثيم
فعدم العلم أسلم للمرء من العلم وفي أمر لا يحتاج هذه الجعجعة ولا تلك التقولات
على كتاب الله تعالى .
الوقفة السادسة :
لقد تمت مناقشة أصحاب هذا
الرأي فتبين لي تعصبهم بل وتحديهم وكأنهم أمام فتح جديد في هذا الإطار ... لذلك
وجدت من المناسب أن أقول كلمة تحمل للناس حقيقة الأداء القرآني وتقريب التلاوة
للناس وترغيبهم بها وحثهم عليها رحمة بهم لأنها روح القرآن ، كيف لا ونحن نقرأ
قوله تعالى : الرحمن . علم القرآن ... وقوله تعالى : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل
من مدكر .
إن القرآن الكريم محور
لمقاصد شرعية تقرب القلوب وتجمع الكلمة وتوحد التوجه وتعمق الرابطة الاجتماعية
وتفتح أمام الناس متعة المجالسة التي تعطرها نفحات القرآن الكريم بما أنه لا مجال
للاختلاف عليه ولا فيه ويصبح الإقبال على درسه إيجابية يتسم به كل حاضر تلك
المجالس دون توجس من نقد ولا خوف من تجهيل ... بل التعلق بكل ما من شأنه زيادة
المعرفة بالقرآن ونأمل بلوغ مرحلة يصبح فيها التساؤل عن كلمة أو حكم أو قراءة أو
مراد ... خاص بالقرآن الكريم علامة على ثقافة السائل وحرصه على دينه وإخوانه لأنه
يهتم بأمور المسلمين بدلا من الاهتمام بقضايا فرعية مختلف فيها ..
الوقفة السابعة :
نعم نبشر ولا ننفر ونقرب
ولا نهجر فالذي يقرأ القرآن يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران فليكن ذلك عملا
وسلوكا وسجية نفسية وقيمة إسلامية وليدعم هذا المعنى والاتجاه قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه ... فعلى المعلم أن
يتمثل معاني هذا الحديث نفسيا وتربويا ، فهو حديث يبشر بخيرية ما بعدها خيرية وليس
من السهل الوعد بها لولا أنها أمانة ثقيلة فيها الصبر ومعاناة هموم نهوض بهذه
الأمة المقتضية قدرا كبيرا من فهم النفوس وعاداتها في التأثر والتأثير وظروف تلك
النفوس وبيئات نشوئها وضرورة التواصل بين الشعوب والقبائل وإن لم يكن معلم القرآن
متصفا بهذه السمات فمن سيتسم بها ؟ !
الوقفة الثامنة :
وحرصا على هذا الهدف يمكن
النظر في كتب الفقهاء ومراجع علم القراءة حيث سيجد الباحث اختلافات كبيرة وتباينات
حول حكم الخطأ في قراءة القرآن الكريم يمكن تلخيصها بمحورين اثنين أولهما أن الذي
تيسر له التعلم ولم يتعلم هجرا أو تكبرا يؤاخذ على قراءته وهذا مؤشر هام على حفز
المسلم على القراءة وتعلمها والثاني العاجز والأعجمي يعذر ويصلي بأمثاله .... ومن
هذا الخلاف الواسع نستشف من وراء الأقوال وبين سطورها الحرص على تأليف القلوب فهي
أولى وحب التعليم وهو هدف سام ، لذلك علينا العمل وفق هذا التوجه .
الوقفة التاسعة :
أن نتصور قراءة للكلمة
وحروفها وحركاتها تصورات توحي بالاستدراك على علماء اللغة والقراءة ، ذلك
الاستدراك الذي مؤداه وجود قصور في بنية الكلمة إذا اتصل بها أحد حروف المعاني ،
بمعنى وجود فصل صوتي بين حرف المعنى والحرف الأول من الكلمة .. .. يسمى النبر ...
وما أدري ما الذي غيب هذا الكشف عن علماء اللغة إلى أن جاء أصحاب هذا الرأي بهذا
الفتح .. ولماذا وصلوا حرف المعنى بالكلمة وما مقدار تلك الحركة من حيث الزمن ،
ألا يفتح هذا الكلام أبواب الترقيص والتكلف في القراءة ؟ ولو جربنا هذا الرأي في
كلام الناس المعتاد خلال قراءتهم النصوص من الكتب وغيرها فما الذي سيلحظ وما الحكم
الذي سيطلق على صاحب هذا التكلف أو التشدق ..؟
الوقفة العاشرة :
يرى البعض وجوها من
القراءة ، فيها تجشم صعاب ، تعتمد الظن في فهم وجه من المعنى في قراءة من يقرأ ،
رغم أنه لا يخطر على بال ذلك القارئ ، بل يمر إدراكه بصعوبة في تصور وجه الأداء
المعبر عن اللحن المظنون ، رغم أن السياق القرآني لم يرد فيه المعنى المظنون كما
أن الإعراب لا يسعف أصحاب مثل هذه الآراء ، نعم تصور يراد منه أن يقتحم على عقل
القارئ ونيته معان قد يصبح القرآن بمثل هذه التصورات ألعوبة في ألسنة أصحاب
الزندقة والتقول الفاجر ... واخترع له اسم النبر ، الذي إن قيل أو ورد على السنة
البعض من أجل كلمة عابرة إلا أنه قد استغل استغلالا مقيتا ، أراد منه البعض إيجاد
علم لم تشهد له كتب القدماء ولا يتناسب مع حاجة المحدثين ولا مع مستوياتهم ..
فبدأت إشاعته على نحو يحمل معنى التعالم والاستدراك على الأعلام السابقين وبخاصة
في قضية حساسة تتصل بالمعنى القرآني .. وما له صلة بالمعاني لم يتركه السلف ..
والسياق والإعراب محكان رئيسان هنا لا ينبغي هجرهما لإثبات رؤية فلان أو فلان ..
رغم أن المتعلم يقرأ بصفاء واجتماع همته على السياق دون حاجته للمشقة في أن يذهب
به اللفظ مذهبا متعنتا ، كما يريد أصحاب هذا الرأي الجديد الذي قد تصدق عليه صفة
الابتداع فضلا عن التنفير وإيقاع الناس بالمشقة .. وتحميل اللفظ القرآني في سياقه
مالا يحتمل .. وكأنه يلزم القارئ هذا بأنه قد لحن ويحاول القارئ أن يفهم أو يتصور
هذا اللحن أي أن يجهد نفسه وعقله ليفهم ومن ثم عليه أن يقتنع برأي الشيخ ! ومنها
هذه الأمثلة :
1- في
قوله تعالى : ( فقست قلوبهم ..) يرى البعض أنه إذا كان الأداء بغير نبر للفاء
فسيكون المعنى من الفقس ، وكأنه يريد أو كان لزاما على أهل العربية الأول أن
يجعلوا فاصلا زمنيا بين الفاء هنا وما بعدها ليتميز الفاء كحرف معنى عن باقي حروف
الكلمة ... ثم هل في القرآن الكريم كلمة جاءت بمعنى الفقس ؟ الحقيقة أنه لا يوجد
... وهذا التصور خروج عن السياق ومنطقه وإغراق وتنطع ويدخل في باب التفيقه أو
التشدق والتكليف بما يشق على الناس ، كما أن السياق لا يشير إلى المعنى المظنون
ولم يذكر السلف مثل هذا.
2- قوله
تعالى : ( وساء لهم يوم القيامة حملا ) : يقول صاحب هذه الرؤية التصورية الظنية
الشاقة على القارئ وبخاصة العادي : إذا أديت كلمة ساءلهم دون نبر للهمزة ...
فالمعنى سيكون من المساءلة لا من السوء . .
3- قوله
تعالى :( أوحى لها ) إذا أديت الكلمة بطريقة معينة يرددها صاحب هذا اللون الجديد
العجيب من الأداء فيكون المعنى من الوحل سبحان الله السياق يرفض رفضا قاطعا مثل
هذا المعنى الذي يريد هؤلاء على ذهن صاحب هذه الرؤية المغالية ... وهذا الغلو إذا
فتح فسنجد له مدخلا في كل كلمة ..
4- قوله
تعالى : ( سنسمه على الخرطوم ) : قال لاتكون من الوسم إلا إذا قرئت على نحو كذا ..
5- وقول : ( وكفى بالله ..) يلزم أصحاب هذا الرأي أن قراءتها بوجه غير النبر الذي يريدونه تصبح معناها من الوكف لا من الكفاية رغم أن القرآن لا يوجد فيه كلمة من الوكف فأقحموا على القرآن معنى لم يرد به وبالتالي أحرج الناس بتصور هذا اللحن مخالفة للسياق .. وهنا ماذا يقول اصحاب هذا الرأي إذا رد عليهم بأن وكفى تصبح على التثنية (وكفا ) فلم لم تخطر ببالهم وعندها ماذا سيقترحون حلا لهذه المعضلة ..؟ !
الوقفة الحادية عشرة :
من أقوال أهل العلم
والقراءة عن مثل هذه الظاهرة :
إن الاجتزاء من السياق خلل
منع منه السلف ومنعت منه خصوصية القرآن الكريم ، قال الأشموني تعالى في كتابه منار الهدى في الوقف والا بتدا
نقلا عن ابن الجزري في قوله تعالى : ( أم لم تنذر / هم لا يؤمنون ) وقوله سبحانه :
( ثم جاءوك يحلفون / بالله إن أردنا ) وقوله جل ذكره ( وما تشاءون إلا أن يشاء /
الله رب العالمين ) وآية ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح / عليه أن يطوف يهما )
. وقوله تعالى : ( سبحانك ما يكون أن أقول ما ليس لي / بحق إن كنت ) . وقوله : ( ادع لنا ربك / بما عهد عندك ) . وآية ( يا
بني لا تشرك / بالله إن الشرك لظلم عظيم ) وقول سبحانه : ( وإذا رأيت ثم / رأيت
نعيما وملكا كبيرا ) إلى أن قال تعالى : فهذا
كله تعنت وتعسف لا فائدة فيه فيجب تجنبه ، فإني رأيت مبتدعي هذا الفن يقف .. فيلقي
في أسماع الناس شيئا لا أصل له ...
لاحظ رعاك الله هذا
الاجتزاء من السياق وكيف حذر منه ومنع ، وما يدعو إليه أصحاب الدعوة الجديدة تخيلا
ليس بعيدا عن هذا الاجتزاء حيث هو نزع للفظ عن سياقه وإخراجه من بيئته اللفظية
وخلفية الأداء ... ولا ننسى أن السياق معنى وإعرابا ولابد أن يراعى هذان الأصلان ..
الوقفة الثانية عشرة :
هذا وقد سألت شيخنا الشيخ
سعيد العبد الله حفظه الله تعالى وعافاه وأطال في عمره على ما يرضيه سبحانه فقال
إن هذا غلو وتنطع أعرض عنه السلف ..
الوقفة الثالثة عشرة :
أقول بعد معايشتي أصحاب
الرأي أو البدعة هذه : إنها نشأت بعد سنين من تدريس مفردات التجويد وأحكامه العامة
وما يلحق بها وكأنهم لم يعطوا جديدا للناس فالتكرار أصبح يقحم عليهم الملل والسآمة
فبحثوا عن الجديد لتطوير وإبراز العطاء وتمليح معرفتهم بما يسمى جديدا وهو ليس
كذلك .. والدليل هنا أن الشيخ حفظه الله لم تخطر في باله مثل هذه الأفكار عندما
كان يقرئ ختمة في رواية حفص قبل سنين قليلة ولقد قرأت عليه ختمة عام 1408هـ فما
خطرت على ذهنه أبدا وإذا كانت مثل هذه تابعة لعلم القراءة وتستحق أن ينافح عنها
ويدافع فلابد أن تؤصل سابقا ومن ثم تستدرك على القارئ بناء على تدوينها في كتب
القراءة وبخاصة إذا علمنا الأثر اللغوي أداء ، وتغير المعنى ثالثا مع تركيزنا على
السياق الذي لا يتنازل عنه علماء القراءة لأن الاجتزاء يمكن تصوره وتخيله وجمع
الأصوات الناشئة عن الحروف لتكوين معنى جديد بل قد ننشئ كلمات أعجمية ونحن نقرأ الجملة
العربية لاتفاق عارض بين كلمة أو أكثر واحتوائها على كلمة أعجمية وهو اتفاق عرضي
لا علاقة للسياق به ، إذن الشيخ لم يبلغ ولم يعلم لأنه لم يكن موجودا فخطرت في
البال واجتهد مع من اجتهد لتقرير ذلك وحشد الأدلة عليه ومن ثم أصبح موقفا واتجاها
أدى لردة فعل تجاه القرآن وتعلمه .
الوقفة الرابعة عشرة :
الاعتياد يدفع للملل
والسآمة أو يحث على البحث عن جديد ذلك أن الفراغ الذي أخذ يحس به إخواننا من فرط
تكريرهم لمفردات التجويد وهنا كان من المطلوب السير في باب علم القراءة والعربية
الداعمة لهذه الرسالة دون غلو فأين علم القراءات ومعالمها والرواة والأثر الجرسي
للقرآن الكريم على النفس البشرية وكيف يمكن تسخير هذا الأمر في معالجة النفوس ورفع
الهمة وزيادة الحماسة دفاعا عن الأمة ورسالتها ورسولها وقيمها ... نعم أين بقية
الروايات القرآنية والاهتمام بها من أصحاب هذه الدعوة المغالية ... وهذا الذي
ذكروه لم يطرق منه القرآن إلا كلمات يسيرة على رأسها ذكر ما يتعلق باللبس بين
كلمتين قرآنيتين مثل : " حرستم / حرصتم " و" محذورا / محظورا ...
ولم يتطرقوا لمثل هذه الإغراقات المغالية والخيالات المعتمدة على تثوير وإجهاد
الكلمات في الأداء كي يتخيل لأحدهم المعنى الذي يحمله اللفظ ، حرصا منهم على
التيسير واعتمادا على السياق .
نعم و من أدلة بحث هؤلاء
عن الجديد والانبهار بما تراه نفوسهم أنه علم يشار إليه بعد ذلك الملل في مسيرتهم
القرآنية أن وسعوا الضيق وأطالوا ما يمكن تقصيره وقصره ، فهذه الدورات الخاصة
بمفردات التجويد بعدما كانت تنقضي في فصل دراسي وكان الإقبال شديدا أذكر أن ملتقى
واحدا كان يضم ما يزيد على مائة دارس وعظم الأمر في أذهان القائمين على القرآن
ووسعوا واستنطقوا الكلمات والحركات وجعلوا علم التجويد مجموعات من الفوازير
والطلاسم وهم يعلمون أن الدارسين ليسوا من الحفظة .. وهكذا زينوا لأنفسهم ما هم
عليه فوسعوا المفردات وطوروا المسميات وعددوا السنوات حتى أصبح اليوم طالب علم
التجويد يحتاج ثلاث سنوات بعدما كان قادرا على تحصيله في فصل دراسي أو عام ، وهاهم
اليوم يزيدون الطلسمة ويستصعبون السهل وينفرون الطباع والفطر بما نصبوه علامات
وعقبات أمام طالب علم التجويد ليصبح حلما صعب المنال ، من يقدر عليه ؟ لا يقدر
عليه إلا فئة قليلة أوتيت من العلم ما أوتيت .... والناظر في حال الصحابة لن يجد إلا اليسر وتعميم التعلم مهما كان حال
المسلم الجديد الذي قد يكون من المتعتعين في قراءتهم وهو صحابي .
الوقفة الخامسة عشرة :
نعم إن من الأولى على إخواننا أن يطرقوا أبواب العلم القرائي كما ينبغي ولينطلقوا إلى القراءات والروايات وما ينطوي عليه القرآن من وجوه في الإعجاز الصوتي والبياني وما يتعلق بذلك من علوم القرآن لتكون مفاتيح تيسير لهذا العلم ونشره تنفيذا لمفهوم قوله تعالى : ( في رق منشور ) فلا بد من نشره وجمع الناس عليه تأليفا للقلوب وترغيبا للنفوس وتعميقا للرابطة التي أراها اهتزت لدى البعض ممن اطلع على هذا التنطع فقال أترك هذا المجال لأنني لن أقدر على تملك هذه الدقائق التي انطوى عليها القرآن ، أي أنه نُفِّر ولم يُبشر وأُبعِد بدل أن يقرب ... وقد رافق ذلك اتهام المتخصصين بالعلوم الشرعية بأنهم جهلة لا يقدرون على تلاوة كتاب الله فأوقعوا في النفوس حساسية التثاقل والتباعد والنفور بين الطلاب وهذا العلم ، حتى لم يبق في موائد دورات التجويد إلا نفر قليل منهم من يجهد لتحصيل الشهادة لعله يحظى بفرصة عمل إضافي ، ونحن مطالبون بالتعميم لا بالتخصيص والتوسع الدعوى والثقافي القرآني لا بالتضييق وتوسيع دائرة الهجران العفوي أو القسري بمعنى من معاني القسر . فأين الدعوة إلى قراءة القرآن على كتاب من الكتب كما كان السلف يفعلون وذلك من قبلهم هم لا أقصد الدارسين بل فليشغلوا أوقاتهم بهذا العلم الذي نريد إحياءه والتوسع فيه وتنمية الثقافة القرآنية ... وعندها تعمر موائدنا الخاصة والموائد العامة من منهل القرآن الذي لا تنقضي عجائبه من وجوه الحق و بالحق لا بالظنون وإحراج الناس بوجوه الأداء العجيبة .
الوقفة السادسة عشرة :
البشارة مفتاح نفسي
والتقرب إلى الدارسين والحرص على نفعهم وتعليمهم وحسن تدريبهم والبدء بالميسور
ومراعاة الظرف والمستوى والقدرات العقلية وإبعاد معالم التوتر كيف لا وقد قال
تعالى : ( الرحمن ، علم القرآن .... ) فالرحمة مقدمة على تعليم القرآن فإذا لم تكن
الرحمة ومنها البشارة وما تعنيه من البشرة المتفتحة الباسمة الفرحة إذا لم تكن
مطية التعليم وفي ماذا ؟ في القرآن فعلى إخواننا أن يجعلوا علم القرآن وقراءته
سهلا ميسورا ..
الوقفة السابعة عشرة :
الوسوسة عقبة خطرة تقود
لها التخيلات التي يلزم بها دعاة هذا التوجه ويحرجون القارئ إلى درجة أن التفريق
بين فتحة وفتحة ، و ضمة و ضمة ، وكسرة و كسرة ، رغم السياق السلس والمعنى الذي لم
يخطر في بال القارئ اللاحن في ظن أصحاب الفكرة الجديدة ... نعم هذا التوجه جعل بعض
الناس يرفض الصلاة إماما بالناس خوفا من اللحن على هذا المعنى رغم أنه كان يصلي
بزملائه وأخشى أن يكون هذا الأمر ثمرة من ثمار الصد عن سبيل الله الصد غير المقصود
طبعا من خلال إحراج مثل هذا الشخص ودفعه للبعد عن الإمام رغم أنه أفضل في القراءة
من غيره ، ولما سألته عن السبب قال الحقيقة هي الوسوسة حيث أصبحت أفكر في الكلمة
التي سأقرأ ها فأخطئ بما بعدها وهكذا شكلت الوسوسة مشكلة لي ... الله أكبر ما هكذا
تورد الأمور . ... فنحن هنا أمام باب شر يجب أن يغلق حفاظا على سلامة الصدر وسلامة
القراءة وفق السياق الذي يلزمنا جميعا بنصه ومعناه
.
الوقفة الثامنة عشرة :
السياق ملزم وليس الدخول
في الظنون والظن الذي في ذهن الشيخ لم يخطر في بال سامعه ولما نوقش الشيخ احتاج
وقتا طويلا لإيصال فكرته لمحاوره وهي الفكرة التي لم يسعفه فيها السياق لا معنى
ولا إعرابا بل تحتاج ليا لأعناق الكلمات وحركاتها لتتناسب مع الوسوسة .
ومما يلزم في اعتبار
السياق مرجعا في القراءة وإبعادا عن التنطع وحدة المعنى الذي يندرج في نسق من
الكلمات ، لاحظ مثلا ما يلي :
قرأ رجل ممن يتكسب بالقرآن
آية ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوا واتقوا لعلكم ترحمون ) 55 الأنعام ، قرأ
منها بترا من السياق لإرضاء زعيم قادم إلى حفل دعي إليه التالي : مبارك فاتبعوه
واتقوا ....) ! ، فالسياق معنى وإعرابا لابد من مراعاته في الأداء فهو المرجع ،
أما الاجتزاء وتخيل معان أخر يحاكم إليها أداء القارئ على نحو يشكك ويلبس ، فهذا
مما تأباه السليقة العربية والسلامة الفطرية التي يقرأ بها الناس ، فدعوهم يقرؤون
على سجيتهم بسلامة أداء ، دون إقحام لتخيلات تخطر ببال مثل أصحاب هذه النظرة .
الوقفة التاسعة عشرة :
النبر قد يحتاج إليه في
بعض المواقف رغم أنه لا يحتاج التكلف وذلك فيما إذا حذف حرف لالتقاء الساكنين وخشي
من اللبس كما في قوله تعالى :" واستبقا الباب " وقوله تعلى :"
وقالا الحمد لله " وقوله :"
فلما ذاقا الشجرة " ففي مثل هذه المواطن قد يحتاج القارئ إلى ضغطة خفيفة أو
نبر ما بعد الألف المحذوفة إشعارا بالألف ، رغم أن هذه النبرة قد تستغل ، أو تحتاج
تكلفا مبالغا فيه ، وترك الأمر على ظاهر القراءة وفق الحروف والحركات أولى ،
وبخاصة عندما تكون القراءة حدرا ، كما أن السياق هو المخرج فكون الألف ألف تثنية
يحدده سياق القصة ، قارن هذا مع قوله تعالى : " وقيل ادخلا النار " فألف
التثنية ستحذف لالتقاء الساكنين ويصبح النطق هكذا : " ادخلنَّار" فأين
ألف التثنية ؟ لقد سقطت وسقوطها غير مخل بالمعنى رغم أن المبنى نقص ولكن المبنى
يوضحه الإعراب الذي يشكل ركنا من أركان السياق فلو كان الفعل للمفرد لكان النطق
هكذا :" ادخل النار " بكسر لام ادخل
..
الوقفة العشرون :
يرى البعض أن الوقف على
الهمز يستلزم ضغطة أو نبرة تنهي النطق ، لإعطاء الهمزة حقها من الظهور ، كما في
الوقف على همزة :" السماء ، السوء ، شئ.." والحقيقة عندما ندقق في هذا
ونبحث عن وظيفة المد قبل الهمزة لوجدنا المد فسحة لعضلات الأداء أن تغلق المخرج
دون الكلفة التي يعبر عنها بالنبر ، لأن الذي لا يحقق الهمز قد ترك مخرج الهمزة مفتوحا
ويصبح النطق هكذا :" السما " دون همز ،.. وهي قراءة بعض العرب .
إن النبر تكلف ولغة القرآن
سهلة ميسورة وما مدودها و غننها إلا تجاوب مع جهاز النطق عند الإنسان ، وعندما
نلغي المد من مثل كلمة " السماء " فسوف نقع بالنبر وهي لغة مستثقلة ،
لأن انتقال القارئ من مخرج الميم إلى مخرج الهمزة دون منح المخرج زمنه الكافي
سيؤدي إلى النبر فجرب بنفسك النطق ستجد النبر منضافا إلى قوة الهمزة مما يزيد
قوتها ويخرجها عن حد السواء والنطق اللطيف ، لأن المطلوب كما قال الإمام السخاوي
في عمدة المجيد :
فإذا همزت فجئ به متلطفا
من غير ما بهر وغير توان
إذا لابد من اللطف في
الأداء وهذا المد قد أعاننا ويسر لنا الأمر ، ومن هنا أجد الأمر أيسر من القول
بالنبر والله أعلم .
الوقفة الحادية والعشرون :
مستوى القراءة : القراءة
في عرف القراء مستويات ثلاثة التحقيق والتدوير والحدر ومعلوم أن القراءة بالحدر
تعني الاختلاس في الحركات والمدود والغنن .... وبالتالي فما ينادي به أصحاب البدعة
الجديدة في القراءة وأرجو قبول تسميتها بدعة بما أنها لم تبن على أصل عند أهل
القراءة من السلف فهي جديدة كل الجدة ,, نعم ما ينادي به إخواننا لن تسعفهم به
القراءة بالحدر ..
الوقفة الثانية والعشرون :
إذا اكتشف شخص خللا وأمكن
وضع قاعدة ضابطة له ولأمثاله فلا بد أن تكون قاعدة سليمة تحفظ مسار نفسها ولا
تنخرم أو توقع في اللبس وتقتحم على الناس مواطن السلامة في الأداء ، ومادام الأمر
قد وسع السلف الذين كانوا جهابذة هذا العلم فليسعنا ماوسعهم وتحفظ على الناس سلامة
صدورهم ونبعد عنهم أسباب الشك والريب في المعاني .. فالكلمات التي يطرحها أصحاب
هذا الرأي تولد فضولا في تصور كلمات تنشأ عن تقطيع كلمة أو تركيب بين كلمتين أو
... وهذا مزلق خطر ومنعرج يحيد بالقارئ عن سلامة الصدر
.
الوقفة الثالثة والعشرون :
حديث الماهر بالقرآن
..." حديث أستشف من بين ثنايا كلماته وسطوره قيما تربوية ومعالم دعوية ورؤى
تواصلية لها من السمو والرفعة ما يمتد عبق خيره ليشمل الزمان والأشخاص .. يعطينا
المهارة القرائية هدفا ساميا على مستوى الأمة هدفا نصبه الشارع أمام الأمة ولكن لا
أمام أنه هدف يجب على كل فرد تحقيقه ، فرض عين فإنه أمر بما يشق بما أن المهارة
تحتاج حيثيات وإمكانيات وزمن وتكاليف والناس توزعت طاقاتهم في أرجاء الحاجات
الواسعة الممتدة وفق تخصصات عمران الحياة كما نطقت به الآية " فلولا نفر من
كل فرقة منهم طائفة ..." فالمهارة تتحقق ولكن متى وكيف وممن ولماذا ...؟
فالحديث يضع الدعاة أمام حدين حد أعلى وهو طرح علينا تحقيقه في الأمة و على أعضائه
أن ينهلوا قدر طاقتهم وعلى المعلمين أن يراعوا ذلك،.
ولقد قدم حدا أدنى من ا
لمهارة تكريما لأصحابه وتحفيزا لغيرهم وعلى المعلمين وهيئاتهم أن يكتشفوا عوامل
بناء المهارة وشرائط تحققها مادية ومعنوية.. وليكونوا كما نص الحديث هداة في هذا
الباب فالمتعتع سمة تعبر عن شريحة تقضي ظروف الحياة وجوده ، كل منا متعتع في غير
تخصصه حاذق في مجاله كي يبقى الناس على تواصل واحتياج لبعضهم ولا يكتفي امرؤ بنفسه
ولا بقدراته هكذا خلق الله الخلق لتعمر الحياة وتبدو شيقة متكاملة
الوقفة الرابعة والعشرون :
السياق مطلب اللغة والبيان
ومحور السلامة في الأداء ومرجع التقولات الناشئة عن مثل ما تصور أصحابنا .. ونظرا
لقيمة السياق في الأداء جاءت كلمات قرآنية على رسوم خاصة بها لربط القارئ بالسياق
معنى ولو على حساب بناء الكلمة لاحظ رعاك الله كلمة :"ويكأن الله .." فـ
:" وي " كلمة و " كأن " كلمة رسمت الكلمتان موصولتين حفاظا
على معنى السياق كي لايخطر في بال القارئ أو السامع أن :" وي " للتحسر ،
ثم يبدأ :" كأن الله يبسط الرزق .." فالله تعالى يبسط الرزق لاكأنه يبسط
الرزق وحرصا على بقاء معنى السياق محافظا
عليه وصلت الكلمتان مراعاة لهذا المعنى والله أعلم . وكلمة :" نعما .."
تجد أن كلمة :" نعم " فعل لإنشاء المدح و"ما " موصولية وهي في
محل فاعل لنعم ، وكي يحافظ على هذا المعنى وكي لايخطر في البال أن ما متعلقة بما
بعدها وبالتالي يصبح اللفظ هكذا : مايعظكم به .." أي نفي وعظ الله تعالى
للعباد بكلامه وهذا معنى قبيح ، لذلك وصل الجزءان بكلمة واحدة حرصا على معنى
السياق والله أعلم .
الوقفة الخامسة والعشرون :
لقد كتب بعض أهل العلم
والنظر (1) نظرات ومباحث علمية تحاول استقصاء موضوع التجويد وأحكامه وأقوال
العلماء فيه والمراد من التجويد وكيف تجشم بعضهم تحميل الأمور ما لم تحتمل ،
وجعلوا التكلف مطية أدائهم وأرهقوا ألسنتهم وأنفاسهم كي يوصلوا للسامعين نغمة ما
أو مبالغة في ممدود أو تلوكا في خديه
(1) مثل
كتاب فتح المجيد للدكتور سعود الفنيسان .
وتمطيطا في شفتيه ومبالغة
في تجافي فكيه وكأن القراءة شد في العضلات وإنهاك للأنفاس ... ، بينما الذي يسمع
أهل القراءة المتقنين لا يجد منهم إلا ما يسره وترتاح له أسماعه وتتأثر به مشاعره
ويأنس له وبه قلبه ، وتحلق روحه في عالم السمو تدبرا وتعجبا من عظمة كلام الله
تعالى ، وما فعل هذا القارئ أكثر من أن ضرب بقراءته على أوتار معان نبهت غافلا أو
أحيت ميت قلب أو هيجت أملا أو ورثت ندما ، أو أبكت عيونا ... ولقد صليت في الجامع
الأموي بدمشق خلف الشيخ حسين خطاب تعالى
رحمة واسعة صليت صلاة التراويح ولقد كان يقرأ جزءا في كل صلاة تراويح يوميا ولكنها
كانت غاية في المتعة والتأثير والتدبر إلى درجة ما كنا نتمالك أنفسنا من التأثر
فلقد بلغ بنا البكاء حد النشيج مرارا ، مع ملاحظة هامة هنا هي هدوء قراءة الشيخ
وتسلسلها وترابط المعاني ترابطا لم يحرج الشيخ على كبر سنه حيث كان حينها شيخ قراء
دمشق قراءة سهلة دون تشدق ولا تمطيط ولازعيق ... فسبحان من وهب بعض عباده صدارة في
تعظيم وتعليم وترغيب العباد بكتاب رب العباد.
إن بعض من كتبوا تلك
الكتابات لم يكتبوها إلا ردا لغلو وتنطع يجافي يسر القرآن الكريم ويجافي نشره
والتوسع في نشره ونشر معارفه بن العباد ، كيف لا ونحن اليوم على أبواب هجمة جديدة
تتعرض لها الأمة في دينها ونبيها وكتاب ربها ومبادئها ... فهل نرتضي انتشار ذلك
التنطع الذي يشكل نوعا من الصد عن كتاب الله وإشغالا للناس عما هو أهم ، بل ويخشى
من كونه إفساد ا يقحم على الكلمة القرآنية ولايسعنا هنا إلا أن نأخذ بسد الذرائع
فلا نسمح بهذه الأقوال ولا ننشرها بين الناس ... ، ولنترك الناس يقرؤون على فطرهم
التي تقبل على الله من خلال كتابه تعظيما وترتيلا وتعلما وتعليما وتفسيرا
واستنباطا ، فلا نقحم عليهم معان هم في غنى عن التطرق لها والكتاب في غنى عن ذلك
كذلك والأمة اليوم في غنى عنها كذلك .. وقبل وبعد هذا أجيالنا لا يليق بنا أن
نشغلها بما لا ينتهي إلا إلى الشك والتلاعب بالألفاظ القرآنية ، ويكفينا أن مثل
هذه المعاني الدخيلة ليس لها مثل قرآني ، ولعل هذا من الإعجاز البياني في القرآن
الكريم .. والله أعلم .
الوقفة السادسة والعشرون :
إن التركيب الناشئ من نظرة
أصحاب هذه الدعوة سيؤدي لتحليل الكلمة وتحليل الجملة بل وتحليل الآية لنجد أنفسنا
أمام معان وعبارات جديدة وإغراق في تيه جديد لم يعن عليه السياق بما أنه تركيب من
التركيب ، لذلك ستجد القارئ نفسه أمام ما يلي
:
* قول
الباري : ( الحمد لله رب ..) هل يقبل دعاة
الفكرة الجديدة أن تكون كلمة الله في أدائنا للآية من اللهو ولا فرق في الأداء بين
الكلمتين فما المخرج هنا ، أي كأن القارئ لها نطقها هكذا : اللاهي .. وفي بسم الله
.. وما شابه ذلك ..؟
* قوله
تعالى : ( وأنَّ الله ..) هل أنَّ هنا أداة التوكيد والنصب أم هي فعل أنَّ من
الأنين ، وبالتالي يوسوس القارئ بمعنى لا يليق التفكير فيه لأنه يضيف للباري معنى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
* وقوله
: ( ولما ) هل لما هنا هي الظرفية أم فعل لم يلم منها اللمم ..؟ بما أن الأداء في
الكلمتين نفس الأداء ..
* وفي
آي’ : ( أعمالهم ..) هل نقبل فكرة أصحاب الدعوة الجديدة ونقول للقارئ قراءتك جعلت
الكلمة على المعنى التالي : أعمى لهم .. أي من شخص منسوب إلى العمى وأنه لهم ..!
* وقوله
) إن أجري..) لو قرأها على تسكين الياء كما في بعض القراءات فهل الكلمة من الأجر
أم من الجري؟!
*وقول
: ( ولئن سألتهم من خلقهم ) ما رأي الشيخ في هذه الكلمة القرآنية هل مَن هنا مفعول
به أم مبتدأ ؟ فهي على تأويل دعاة الفكرة تحتمل أن تكون أحد الأمرين ، فإن كانت
مفعولا به أي إن طلبت منهم الذي خلقهم فيصبح الأمر متعلقا بمعط ومعطى والعياذ
بالله ، أما إن كان على الابتداء فهو المناسب للسياق والمعنى .. فكيف نخرج من
الإشكال ؟
* وقول
الله تعالى : ( ولقد فتنا ..) هل نا هنا نا الفاعل أم نا المفعول ؟ والأداء في
الحالين واحد .
* وقوله
سبحانه : ( على كل شئ قدير ) هل على هنا الحرفية أم فعل العلو والأداء الصوتي واحد
؟
وقول الحق : ( أولئك الذين ..) هل تخرج على رأي أصحاب
الفكرة فيصبح الأداء" أولاء كالذين
..".
* بل
قد نقحم على الناس معان قبيحة لاتليق بالعاقل فضلا عن أهل القرآن ، فلقد سمعت شخصا
يقول مازحا وهذه حقيقة وقعت أمامي قال رجل إنجليزي لرجل تقولون عن القرآن قد حوى
كل شئ أخذا من قوله تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) فهل فيه ذكر الضابط
الإنجليزي كوك الذي كان يعمل في الأردن ؟ فقال له الأردني نعم ، فقد قال تعالى : (
وتركوك قائما ..) ! .
* وكيف
نخرج كلمة " فاتقوا .." هل هي من التقوى أم من التفتيق وأداؤها هكذا
" فتًّقوا " ؟ .
*وكيف
نقول لمن يتصور كلمة رب من قوله تعالى : " رب السموات والأرض " وخطر
بباله أن رب هنا فعل أمر من التربية .
* وفي
قوله تعالى : تزاور .. " هل هي من التزاور أم من الازورار ؟ .
* وقوله
تعالى " وترى الشمس .." هل أداء وترى من الوتر أم من الرؤية ؟! في ذهن
أصحاب الرأي الجديد وبخاصة عند من يقرأ بالحدر ؟
* وفي
قوله تعالى :" وزدناهم / هدى .." هل نقحم على القارئ والسامع المعنى
المفصول بين " زدنا " وهم هدى ؟!
* وفي
قوله تعالى :" أفلا تعقلون " هل أفلا ،، تخطر في البال من الأفول "
.. وهنا مشكل آخر مفاده هل سننبر الأحرف كلها الهمزة والفاء و لا ..؟ وبالتالي
نلزم القارئ المتعلم بتكلف يذهب عن قراءة كتاب الله ما تستحقه أدب ..
* وفي
: كالوهم أو وزنوهم ... ذكرت لدى السلف من باب الفصل ،، وإذا قيل كالو..هم ، مع
فصل كما تشير النقاط لن يستقيم السياق وهنا لابد أن يرد السياق هذا القارئ ، وفي
" وزنو .. هم ، لا يستقيم ، لأن من يفعل هذا يعد من المتلاعبين بالألفاظ
والقريبين من الزندقة ، ولا يدرج في فئة أهل القرآن ، كما أن الفصل المتصور في جزء
" وزنو .. هم " لا يؤيده أداء ما قبله " كالوهم " لأن هذا يعني
قراءتها " كالو .. هم أو .." فما المعنى الذي ينشأ من " هم أو
" ..؟ فهذا الربط بهذا القيد يمنع قبول رأي من يظن هذا ويدرج في إطار
المتلاعبين باللفظ القرآني .
*وفي
قوله تعالى :" قال لهم " إذا قرئ بالإدغام لأبي عمرو سيصبح أداؤها هكذا
" قالَّهم " فكيف سيصبح المعنى ، والأداء نفس الأداء فهل هي من القول أم
من المقالة ؟.
* وكذلك
لأبي عمرو في نحو " نحن له " سيصبح " نحلَّه " هل هي من نحل
له ، على ظاهر الأداء أم نحن له كما هو الأصل
.
* وقوله
تعالى :" من راق " على قراءة الإدراج سيكون أداؤها هكذا " مرَّاق
" فعلى ظاهر لفظها تكون من المروق ، فما المخرج ؟
* قوله
تعالى : " ولي دين " على قراءة من يسكن الياء ، فما المعنى الذي يراه
أصحاب الرأي الجديد ؟ هل هي بمعنى " لي " إشارة الملكية ؟ أم فعل : ولي
يلي ..؟ أم " ولي " من الولاية ..؟
* وفي
قوله تعالى :" حتى إذا جاءه لم يجد .." هل إشباع هاء الضمير يسمح بتصور
كونه ضميرا منفصلا هو هكذا : جاء هو لم .. وهاء الضمير لابد من إشباعه والأداء
واحد ؟!
* وفي
قوله تعالى :" فترى الودق .." فترى الودق .." هل فتر من الفتور أم
ترى من الرؤية ، وبالتالي كيف نميز دون السياق بين الأداءين وبخاصة في قراءة الحدر
؟!
* وفي
قوله تعالى :" إنا على ذهاب ." هل إنا هنا فعل أمر من الأنين والمخاطب
مثنى أي يطلب منهما الحزن والأنين على ذهاب .. والعياذ بالله ..؟! وكيف المخرج من
حيث الأداء ؟!
* وفي
قوله تعالى :"تريدون عرض .." هل نقرأ الآية هكذا : تري / دون عرض ..،
والأداء واحد ؟ !
* وكذلك
إذا قال قائل إن قوله تعالى : ( ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض ..) أوقع الظلم
على ما فأصبحت مفعولا ، فماذا نقول ؟ .
* وفي
قوله سبحانه ( فأما اليتيم .. ) تجد أن كلمة " أما " وصلا تؤدى فتصبح
"أمَّ..) لفظا وهي بهذا لن تختلف عن معنى كلمة "أمَّ يؤم .. " من
الإمامة في الصلاة ولا مخرج إلا السياق فتنبه أخي صاحب الدعوى .
* والحظ
رعاك الله قوله تعالى :" السائل " في آية " وأما السائل ..) ستجد
نفسك أمام معنى قد يخطر في البال كما يعتقد أصحاب تحميل قارئ القرآن ما لم يحتمله
السياق فهل يخطر في بال القارئ أو صاحب الدعوى أن السائل هنا من السيلان ؟ ! حقا
إن هذا لشيء عجيب من الاستنتاج .
* والحظ قوله تعالى : ( وهل أتاك حديث موسى .. ) هل يمكن إقحام المعاني الجديدة وجعل الناس يفكرون فيها هنا ، حيث يمكن تصور اللفظ التالي : وهل أتى كحديث ..) منزوعة من السياق ؟ !
* وفي
قوله تعالى :" قال لهم " على قراءة أبي عمرو بالإدغام الكبير وتصبح هكذا
" قالَّهم " كيف سيتحقق النبر أو ما في ذهن أصحاب الفكرة .
* واعلم
رعاك الله أن من وجوه إعجاز هذا الكتاب أن الكلمات التي خطرت ببال هؤلاء الإخوة
ليس لها المقابل الذي يخافون منه حسب تصورهم للحن ، فلا يوجد في القرآن كلمات :
لمع من اللمعان ، إن الله لمع المحسنين .." ولا " الوحل .. من : أوحى
لها .. ولا فقع .. فقعوا له ساجدين .. ولا فقس .. فقست قلوبهم .. ساءلهم .. ساء
لهم يوم القيامة حملا ..ولا ومض ،، ومضى مثل الأولين .. ولا وتر بمعنى قطع على هذا
اللفظ .. وترى الذين ..... ولا وكف .. وكفى بالله .. ولعل هذا مجال مناسب للكف
* وهل
نفتح الباب لتصبح الكلمة قابلة للانقسام إلى معان نحو : يريدون وجه .. التي ستصبح
هكذا : يري دون وجه ..
* وهذه
كلمة : " النسئ " من قوله تعالى :" إنما النسئ زيادة في الكفر
.." عند الأزرق وأبي جعفر ، تقرأ " بالياء المشددة ، هكذا :"
النسيُّ " ، هل هي مبالغة من النسيان ؟
! .
* وهذه
كلمة :" ويبشر " من قوله تعالى : ويبشر المؤمنين .." يقرأها حمزة
والكسائي بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين ، هكذا : يًبْشُر .. فما المعنى الذي
سيخطر ببال أصحابنا هنا ؟.
* وكلمة :" المأوى " من قوله تعالى :" جنات المأوى نزلا .." السجدة .. يقرأها الأصبهاني عن ورش وأبو عمرو بخلف ... :" الماوى " هل يصبح الداء قابلا لمعنى جديد هو : جنات الما وانزلا .. ؟ ! . بمعنى الماء مخففة الهمزة ..؟ .
وهكذا أجد نفسي ملزما
بأداء النصيحة لله تعالى وكتابه وللمؤمنين وفق ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام ، ولا
ينفك الأمر عن كل من لديه شئ من علم في هذا الجانب ، ولا أقول هذا إلا بعد عرض هذه
الكلمات على كثير من الذين يترددون على المسجد وغيره لعلي أجد من خطر بباله مثل
تلك المعاني التي نصب لها أصحاب الدعوة نفوسهم منافحين وإليها داعين وعلى نهجها
سائرين ، ولا يسعني إلا أن أقول لهم هونوا على أنفسكم وعلى طلبتكم ويسروا ولا
تعسروا وبشروا ولا تنفروا ، ولن يشاق هذا القرآن أحد إلا غلبه ، فلا تشاقوا في
كتاب الله ولا تحرجوا عباد الله .
إن المعاني التي تبنون
عليها دعوتكم هي معان استحضرتموها في أذهانكم ورسمتم على وفقها تخيلات
اللحون ، في حين لم تخطر هذه المعاني في بال الناس ، فأين التيسير وأين الرفق الذي نصبه الدين الحنيف قيمة تربوية ونبراسا للدعاة ، وفي مقدمتهم ، معلمو القرآن الكريم في مجالهم ؟
الوقفة السابعة والعشرون :
اعلموا رحمكم الله أن
سلامة الصدر تقتضي البدء مع المتعلم مما يبشره ويفتح أسارير قلبه وتقبل ما هو عليه
من معرفة كي ينطلق على نحو إيجابي ، والذي يبدأ به أصحاب هذه الدعوة هو البدء مما
يصد النفس ويضعف الدافعية ويحبط الإقبال ، فكم من الشباب جاء شاكيا متذمرا من
البدء ، حيث يكلف الشخص بقراءة الكلمات التي يتصور صاحب الدعوة أنها محك ومدخل
للحكم على مدى إتقان الشخص لهذا الفن ... ونسي هذا الشيخ أن هذا ليس مورد التعليم
ولا بابا له ، وما كان هذا نهج السلف ، إذ إنهم يبدؤون مع المتعلم بداية الترغيب ،
ولذلك عندما يبدأ المتعلم من قصار السور تلك السور التي لا تنطوي على طلاسم أصحاب الدعوة
الجديدة ولا كلمات مشكلة حسب ظن رواد اللحن بل أهل التجديد في اللحن ، نعم يقرأ
السور القصيرة فيستقم لسانه ويتدرب في ممارسته فلا يحتاج ذلك التنطع ، وهكذا سهل
الشيخ عليه فلم يستحضر كلمات التحدي التي تؤذي القارئ في تعلمه وتؤذي كتاب الله في
التعنت الذي يمليه أصحاب هذه الدعوة .
الوقفة الثامنة والعشرون :
لقد سألت الكثيرين عن
الألفاظ التي ظنها أصحاب الدعوة الجديدة ، هل خطر ببالكم معنى آخر من هذه اللفظة
أو تلك ؟ ومن الكلمات التي عرضت كلمة : فقست ، فقعوا ، أوحى لها ، وإن الله لمع ،
.... من خطر بباله أن كلمة " فقست " من الفقس ؟ وكلمة " فقعوا
" من الفقع ، وكلمة أوحى لها من الوحل .. والخيرة من اللمعان ؟ ولقد كانت
إجابات الجميع بين أعوذ بالله من الشيطان .. وبين أبدا ما خطر ببالي ذلك ...
أمام هذا لا يليق بنا أن
نقحم على كتاب الله ما ليس منه ونترك الناس يقرأ ون على السياق .. رحم الله الجميع
بواسع رحمته وردنا إلى ميسور كتابه وأبعدنا عن الغلو في تعليم عباده . نعم هذا
جواب الفطرة وأصحاب الصدور السليمة التي تعبد الله بقراءة كتابه على ما سلم من
المعاني في الصدور ، لا على ما يحتمل من وجوه اللفظ ، ما صح منها وما لم يصح ، وأكد
الجميع أن هذا ما فكرنا فيه أصلا ..
لقد جاء بعد مدة فقال :
الحقيقة أنني في البداية وقبل سماع هذه الأفكار من أصحابها ما كنت أفكر إلا في
سياق النص ويدور فهمي وتدبري في إطار المعنى الذي يعرضه النص ، غير أني بعد سماع
هذه الأفكار بدأ تقليب الكلمة في ذهني فوصلت إلى معان أشغلتني إلى أن وصلت للقناعة
بضرورة البعد عن هذا ...
الوقفة التاسعة والعشرون :
لقد قرأت النشر في
القراءات العشر لا بن الجزري وهو إمام هذا الفن كما هو معلوم وكذلك الشاطبية وأنعم
بها من نظم بزت غيرها من المنظومات وأصبحت مرجع الناس وتلقيت بالقبول والثناء ،
واطلعت على شرحها... كما أن الشيخ محمد الضباع
تعالى وهو إمام القراءة في زمانه ، له كتاب بعنوان " الإضاءة في بيان
أصول القراءة " جمع فيه مصطلحات خاصة بعلم التجويد والقراءات وأصول كل قراءة
ورواية فلم يذكر هذا الذي تنطعوا فيه ، وأحرجوا الناس في تخيله فضلا عن أدائه ...
الوقفة الثلاثون :
من المتعة في علم القراءات
أن الدخول في رياضه والتنعم بين جنباته والإنس مع أهله يمنح القارئ معالم التيسير
والبعد عن التنطع والتعسير ، أما من يحتج بأنه حق كتاب الله وأنه لا يجوز أن نخالف
في حرف ولا في حركة ولا في صفة .. ويقحمون ما ينبغي وما لا ينبغي فهذا من التنطع
والغلو والمبالغة وإشغال الناس بوجوه تبعدهم عم القصد .. نعم تبعده عن التعسير
وتستكشف أساليب تسهل إيصال المراد دون إجهاد للنفس بالمعسرات وتخيل المشاق من
اللفظ وإلزام المتعلم بها و إلا فهو .. وهو
..
الوقفة الحادية والثلاثون :
حافظ علماء العربية والقراءة على نسق الكلام وجماله ورقة اللفظ وعذوبته ، فهذا علم الصرف و فيه ما يسمى بالإعلال الذي ينقل اللفظ عن أصله الذي بني عليه ويلطف فيه وفق قواعد رائعة يسهل النطق بها ويجعل اللفظ جميلا لطيفا ، فهل على القارئ أن يعود إلى أصل اللفظ كما يتصور إخواننا أصحاب الدعوة الجديدة التي يتخيلون فيها اللحن ثم يلزمون القارئ بأنه على هذا النسق نطقك يؤدي إلى كذا ؟ ! .. وكذلك علماء القراءة والعربية عندما يأتون إلى كلمة فيها حرف مرقق وفق القواعد فإنهم يفخمونه مراعاة لما بعده حرصا على نسق صوتي أفضل مثل كلمة " قرطاس " ونحوها ، فعلى القارئ لأن يفخم الراء لتتسق مع الطاء كما أن الانتقال من مكسور هو القاف إلى مرقق هو الراء ثم الانتقال إلى مستعل بمرتبة هي الأعلى فيه نبو في اللفظ يحتاج تكلفا ، لذلك تنحى العربي عن ذلك ففخم الراء كي تتناسب مع الطاء مما أضفى على اللفظ يسرا وجمالية ، و في هذا الإطار سنجد لفظ الجلالة "الله " من قوله تعالى " الحمد لله " الذي أبقاه العرب والقراء على نسق الترقيق ، فلم يقحموا الغلو ، الذي تصوره أصحاب الدعوة الجديدة لأن المسلم يقرأ على السياق إذ إنه وفق منهجهم سيصبح اللفظ هكذا " الحمد للاهي " أي من اللهو فلم لم يغير العرب والقراء اللفظ خوفا من هذا المعنى قياسا على كلمة " قرطاس " فيبقوا على اللفظ بتغليظ اللام من " الحمد لله " ونحوها ..؟!
الوقفة الثانية والثلاثون :
لقد اعترض أصحاب التخصص
الشرعي والمشرفون على التربية الإسلامية في المنطقة عندما بدأ الشيخ معهم بمنطق
التحدي والغرور لإثبات عجزهم وأنهم ... و أنهم .. ، ولاحظوا التنطع والغلو في
تناول الأمر فما كان منهم إلا أن اعترضوا وألغوا اللقاء وكانت ضربة مؤسفة لخلفية
متنطعة ، ولو كان الأمر بحجة حماية كتاب الله ، وليكن معلوما أن حماية كتاب الله
لا تبدأ من هنا ، ..
هل يليق برواد التخصص أن يُـتهموا بالعجز والقصور على هذا النحو الذي ينطوي على نوع من الغرور والاستعلاء على هيئة شئ يسمى التحدي ... وممن ؟ من زميل لهم حصل على رواية حفص ، وبدلا من أن تكون هذه المعرفة طريق رفق ولين ورحمة بمن لا يعرف ، أصبحت ذريعة لما لا يليق ..
لذلك أدعو أصحاب هذه الدعوة إلى تقوى الله تعالى والبعد عن هذا الورع البارد الذي يشعر صاحبه بالبعد عن إثم حسب رأيه ليقع في إثم لأعظم خطره يتعدى على كتاب الله وعلى عباده .. وأقول دعوا على سلامة صدورهم ويسر فهمهم ، وليسعكم ما وسع السلف فلسنا أتقى لله منهم والله أعلم .
الوقفة الثالثة والثلاثون :
اللحن الخفي واللحن الجلي مجالان ، على قارئ القرآن الاطلاع عليهما ، ومعرفة عوامل الوقوع فيهما ، واللحن الخفي لا يبدأ به مع الدارس مادام اللحن الجلي غير مدروس وغير مستوعب ، أما أصحابنا فكأنهم يريدون البدء باللحن الجلي مع ما فيه من سد منافذ ترغيب التعلم ، إذ إن تصور هذا اللحن يحتاج دربة ومرانا وممارسة مع اللفظ القرآني ، وبخاصة في عصرنا الذي استعجمت فيه الألسنة ... فكيف يبدأ من الخفي قبل تحقق القراءة المعربة وسلامة الحركات ، إذ إنها هي المعول عليها في بيان المعاني ومواقع الكلمة في الجملة والجملة من الآية ...
الوقفة الرابعة والثلاثون :
المحافظة على السياق أساس
في كتاب الله ، وقد يتغير اللفظ وتركيب كلمتين أو مجموعة كلمات ، سعيا للمحافظة
على السياق ، مثل كلمة :" نعما " فهي مركبة من : نعم ، و : ما ، فالثناء
هنا مقصود به الأمر الذي وعظنا الله به ، وليس المقصود هو الثناء على الله رغم أن
الله تعالى أهل الثناء ولكن السياق لم يسق هنا لذلك ، ولذلك لا بد من الوقوف عند
السياق والإعراب .
الوقفة الخامسة والثلاثون :
في قوله تعالى : " أن
اغدوا .." و : " أن امشوا .." و : " أن اشكر لله .."
حركة النون في " أن " هل هي الضمة أم الكسرة ؟ ولماذا على الحالين ؟ .
الوقفة السادسة والثلاثون :
راجع كتاب النشر للإمام ابن الجزري بدءا من فصل مخارج الحروف وكيف يقرأ القرآن وتعريف التجويد ، وما تشترك فيه الحروف وما تنفرد به ومواضع التفخيم والترقيق ، والحظ كذلك فصل التنبيهات في ختام فصل أقسام الوقف ، فيذكر مثلا ما قيل عن قوله تعالى : " سلسبيلا " حيث قد يخطر في بال بعضهم قراءتها هكذا " سل سبيلا " متجاوزا السياق ومجافيا المعنى المراد ، فرد ابن الجزري ذلك ردا قويا ، كما أنه لم يشر إلى قضية الحركات ، وما ينشأ عنها من لحون ، كما تصورها أصحاب الطريقة التعليمية الجديدة المحرجة للمتعلمين .. ، بل ستجد التأكيد الواضح على أهمية التزام السياق والبعد عن التعنت والتنطع ، ويبين السبب فيقول في نهاية التنبيه الأول ما يلي : ( فإن ذلك وما أشبهه تمحل وتحريف للكلم عن مواضعه يعرف أكثره بالسباق والسياق ) ، لاحظ قوله : تحريف للكلم عن مواضعه ، والحظ قوله : يعرف أكثره بالسباق والسياق . والحظ تمثيله على مواضع تفخيم الحروف حيث لم يذكر الكلمات التي يتصور نشوءها ... بل لم يذكر كلمات واضحة على طريقة أصحاب الدعوة والتكلف ففي الكلام على الزاي يمثل بكلمة :" كنز تم " التي يؤكد فيها على أهمية جهر الزاي والحذر من الهمس لأنها ستصبح سينا ، ومع ذلك لم يذكر الكلمة المقابلة التي تنشأ ، واكتفى بذكر ما ينبغي منحه للحرف من حقه في صفته ومخرجه ، بل في الضاد بيان واضح كذلك يمكن استشفافه في نفس ما أ قصد بيانه حيث لم يذكر الكلمات التي تنشأ عندما تتغير صفات الحرف نظرا لتأثره أو تأثيره بما قبله أو ما بعده من الحروف .
لذلك أقول ناصحا إخواني دعوا هذا الباب الذي إذا فتح سيفتح باب شر لا ندري أعماق خطره ولا وديان تيهه وفي ماذا ؟ في القرآن الكريم ! فلندع الصدور سليمة والمقاصد إيجابية والمشاعر خيرة بناء ة
هذا وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أخوكم
أكرم بن يوسف الحريري