نظرية القطيع
ما هي نظرية القطيع ؟ ومن أطلق عليها هذا المسمى؟ نظرية القطيع أو ( نظرية سلوك القطيع)/ سلوك القطيع(herd behavior) هو مصطلح يطلق على سلوك الشخص في الجماعة عندما يقوم بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمي لها دون تفكير أو تخطيط. هذا المصطلح في الأساس يطلق على تصرف الحيوانات في القطيع أو السرب من الطيور خصوصاً عندما تستشعر بالخطر. إن سلوك الناس في الحروب وفي المظاهرات وعند الشعور بالخطر وفي سوق الأسهم هي أمثلة عن سلوك القطيع.
أول من أطلق هذا المسمى على هذا السلوك وصاغه كنظرية فلسفية علمية هو عالم الأحياء هاملتون وذكر فيها إن كل عضو في مجموعة ما يخدم نفسه بالدرجة الأولى حيث يقلل الخطر عن نفسه بالدخول مع الجماعة والسلوك بسلوكهم هكذا يظهر القطيع بمظهر الوحدة الواحدة .حيث يتبع الفرد الأضعف أو الأقل نفوذاً أو مالاً من هم أقوى منه وأشد نفوذاً ولنا في السياسة والسياسيين والفن والفنانين أكبر مثال ..
وبالرغم من أن هذه النظرية مستحدثة إلا أنها موجودة في الطبيعة البشرية التي خلقها الله سبحانه وتعالى .. فالقرآن الكريم زاخر بالآيات الدالة على سلوك القطيع فنقرأ كثيراً (لكن أكثر الناس لا يعلمون) فقد دعا الإسلام لتحرير العقول وترك التبعية وإلى عمق التفكير واستقلالية القرار. (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون) تسعة فقط بيدهم القيادة والنفوذ (سياسيون) يسوقون القطيع والقطيع يصفق خلفهم .. والأمثلة كثيرة ابحثوا عنها ..
ومن الأمثلة على سلوك القطيع في تراثنا الزاخر قصة الأحنف بن قيس التميمي حكيم العرب مع يزيد بن معاوية وكان أحد دهاة العرب (( لما كان الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أميراً للمؤمنين دارت بينه وبين يزيد بن معاوية حرب تنازل فيها الحسن عن الخلافة ليزيد فدخل الأحنف بن قيس يبايع يزيداً بالخلافة وكان من أنصار الحسن بن علي وكانت زوجة يزيد تجلس وراء الباب تسمع ما يدور بينهما))
فقال الأحنف
ليزيد : اسمع يا يزيد : إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وإن السيوف التي
قاتلناك بها لفي أغمادها وإن تقبل للحرب شبراً أقبلنا لها ذراعاً .. فسكت يزيد
" فتعجبت زوجة يزيد من كلامه ! ولما خرج الأحنف بن قيس من مجلس يزيد قالت له
: يا أمير المؤمنين لم سكتَ عنه؟ ولماذا لم تقتله ؟ فقال يزيد : ويحك يا إمرأة ألا
تعلمين من هذا ؟ قالت : لا " فقال يزيد إنه الأحنف بن قيس التميمي الذي إذا
غضب، غضب معه مائة ألف سيف لا يسألونه لماذا غضب …. إن الجملة الأخيرة التي قالها
يزيد تمثل سلوك القطيع في النفس البشرية وقد أدرك يزيد بدهائه أن الأحنف قائد
للقطيع وأن وراءه مائة ألف رجل يخرجون معه للقتال لا يدرون لماذا خرجوا !! .. أوضح
صورة لسلوك القطيع قالتها العرب.
بعد البحث
والتمحيص الطويل أخال بأن تطبيق هذه النظرية تحديدًا لم يغب عن مجتماعتنا العربية
المتعدد منذ عقود طويلة، وربما هي المسئولة عن حالتنا المتردية واحتلالنا الصفوف
الخلفية في المجتمعات العالمية, ذلك أن واقعنا مزري للغاية بوجود هذا الكم الهائل
من المجتمعات العربية المتناثرة والضعيفة والمختلفة في حالة استطاع من خلالها
الاستعمار الغربي رسمها وصناعتها لنا بنجاح نتيجة الوهن والضعف والرجعية التي
نعيشها منذ قرون طويلة مهد ذلك الوضع لفرض نظريات أخرى غير نظرية القطيع التي
برعنا في تنفيذها, مثل نظرية " فرق تسد" الاستعمارية, نتج عنها حالة
التقسيم والتفتيت إلى دويلات ومجتمعات عربية نشهدها الآن, كانت في أغلبها بيئة
خصبة لسلوك القطيع.
وخلال العقود
المنصرمة لم يكن فقط سلوك القطيع في أغلب المجتمعات في الدول والدويلات العربية
مرتهم لسلوك وإرادة رأس القطيع, بل إن مصير ونهاية القطيع نفسه قد ارتهنت لقيادة
القطيع, وسيق بها إلى وجهة غير معلومة فلم تدري إلى أين هي ذاهبة! فقيادة القطيع هي من تنظر وتبصر وتحدد الوجهة
بالنيابة عن القطيع, أما باقي القطيع فيحرك أقدامه فقط وطبعاً الرأس للأسفل, قد عطلت حواسهم السمعية والبصرية والذهنية فهم لا يحتاجون لها.. حتى غدا الجميع نسخة
واحدة... في الشكل والفكر والطموح والأحلام, مع ذلك لم تكن هنا المعضلة, طالما هذا
السلوك ارتهن بسلوك قائد القطيع العادل المستنير الواعي, لكن المعضلة حدثت في قادة
لبعض الدول والمجتمعات العربية من فاقدي الحكمة والبصيرة والتي ارتضت هذه
المجتمعات التي أصابها العمى عبر العقود الطويلة بأن تتبعها وذهبت بها إلى
الهاوية, حتى إن هذه المجتمعات التي فقدت بوصلتها لم تطبق على أقل تقدير نظرية قطيع
الغنم التي ابتكرها العرب أنفسهم وبرعوا فيها , عندما وضعوا حمارًا مدربًا يقود
الطريق المشوب بالمخاطر بدلا من الراعي ليعود بقطيع الغنم بسلام وأمان , فقد غابت
الحكمة والعقل عن قادة الغنم (الحمير) لكنها ظلت محافظة على بصيرتها وانضباطها
وقادة قطيع الغنم بنجاح نحو بر الأمان لتعود إلى الزرائب في الديار بعد رحلة
المرعى الموفقة:
وبهذا الخريف
الذي نعيشه يظهر التساؤل هل سنظل نعيش هذه المرحلة مرحلة الفوضى ولم نطبق على
الأقل نظرية القطيع بأصولها (نظرية الحمير) ونُصبت علينا قادة لم يكونوا على
الإطلاق بمستوى حمير قطيع الغنم المنظبطة!! أم أن هناك ما يلوح في الأفق تغييرًا
حقيقيًا لمجتمعات أبت أن تساق كالقطعان وأخذت تسخدم حواسها وتتلمس طريقًا معاكسًا لتيار القطيع المنجرف إلى الهاوية.
نحن بحاجة إلى التغيير وثورة على النفس وتغيير النفس
والفكر والذات قبل أن نثور على الرعية والحكام. لنجسد بالمحصلة قول الله تعالى (إِنَّ
اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
وقد أرسل الله
نبيه صلى الله عليه وسلم بمهمة محددة لتحرير العقل والحفاظ على تمييز الجنس البشري فقال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا
النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وقال الله سبحانه متحدثًا عن القابعين في سقر(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ) وكنا نخوض مع الخائضين هذه وحدها كفيلة بدعوة أصحاب الدين إلى التميز واستخدام العقل في كل صغيرة وكبيرة
وقد فهم صحابة
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ففي معركة القادسية ، بعث سعد بن أبي وقاص رسولاً
إلى رستم(قائد الفرس) وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالنَّمارق
المذهَّبة، والزَّرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة والزينة العظيمة، وعليه
تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب. ودخل ربعي بثياب
صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبَها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل
وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحُه ودرعه وبيضتُه على رأسه. فقالوا له:
ضع سلاحك فقال: إني لم آتِكم وإِنّما جئتكم حين دعوتموني، فإنما تركتموني هكذا
وإِلا رجعت. فقال رستم: إئذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النَّمارق فخرَّق
عامتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد
إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام.
هكذا جاء
الإسلام ليحرر العقل لا لنكون قطعانا نسمع بسمع قائد القطيع ونعقل بعقل قائد
القطيع.
تابعوا هذا الفيديو لترى كيف تكون غريزة القطيع.