محنة الإمام البخاري
حتى الإمام البخاري لم يسلم من الأقران والأنصاف والأرباع والجهلاء.
فقد قدم الإمام البخاري إلى نيسابور فاستقبله من أهلها أربعة آلاف رجل ركبانا ورجالة, وخرج العلماء والأمراء كافة لاستقباله قبل أن يصل المدينة بمرحلتين "قرابة المائة كيلومتر" فاختلف معه الإمام محمد بن يحيى الذهلي في المسألة اللفظية بالقرآن, فاتهمه بالتجهم, وتمادى في الشتنيع عليه، ومنع طلبة الحديث من الجلوس إليه, ثم ألزم كل من يحضر مجلسه إلا يجلس للبخاري؛ فقال يومًا: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، وكان في المجلس وقتها الإمام الكبير مسلم بن الحجاج، وأحمد بن سلمة، فقام الاثنان من مجلس الذهلي، وهذا الأمر جعل الذهلي يزداد في هجومه على البخاري، ويصل لأعلى درجات الغلو والغيرة المذمومة؛ إذ قال بعد حادثة خروج الإمام مسلم من مجلسه: لا يساكنني هذا الرجل: (يعني البخاري) في البلد،
وأخذ الجهال والسفهاء يتعرضون للبخاري في الطريق يؤذونه بالقول والعمل ، وخاطبه أحمد بن سلمة في أمر الذهلي فقبض على لحيته ثم قرأ: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44]،
وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرًا ولا بطرًا ولا طلبًا للرياسة، ثم قال لأحمد بن سلمة إني خارج غدا لتتخلصوا من حديثه لإجلي فقال أحمد بن سلمة فأخبرت جماعة من أصحابنا بخروج الإمام البخاري فوالله ما شيعه غيري وكنت معه حين خرج من نيسابور.
وقال الإمام
الذهبي في سير أعلام النبلاء: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا
لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن
عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين.