الحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله سيد السادات والأعلام وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً على الدوام.
أما بعد، فقد صدق الله تعالى إذ قال: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... ﴾ الإسراء/9، فالقرآن هو المنقذ من ظلمات الجهالة وخرافات الضلالة إذ يقول سبحانه: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ إبراهيم/1، وقد أمر الله المؤمنين بتدبر القرآن وفهمه أثناء تلاوته، إذ يقول عز وجل: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرا ﴾ النساء/82، ويخاطب نبيّه (ص) قائلاً: ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾ الإسراء/106، ففي المكث دعوة إلى التدبر والفهم، وبالتمهل والتأني يبلغ الإنسان فهم الشيء وإدراك كنهه.
وقد أرشد سبحانه وتعالى نبيه (ص) في موضع آخر قائلاً: ﴿ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ طه/114. فهذه طريقة يرشد الله رسوله ليقرأ بها القرآن، وهي الإنصات إلى تلاوة الوحي والتأنيّ في التلقي عنه، فذلك إرشاد عامّ، يلزم المؤمنين الذين يتلون القرآن أيضاً.
إنّ دراسة الوقف والابتداء في القرآن المجيد، هو جانب مهم في أداء التلاوة، وهو يوضح كيف وأين يجب أن ينتهي القارئ لآي القرآن، بما يتفق مع وجوه التفسير واستقامة المعنى وصحة اللغة وما تقتضيه علومها من نحو وصرف ولغة، حتى يستتم القارئ الغرض كلّه من قراءته، فلا يخرج على وجه مناسب من التفسير والمعنى من جهة, نحو قوله تعالى (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ). فتقف على الرسول وتبدأ بالتحذير " وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم" فالأولى ضمير نصب منفصل بمعنى يخرجون الرسول وأنت أيضا يخرجوك.
والثانية من باب التحذير كأن تقول " إياك والأسد " أي احذر الأسد
وكذلك لا يخالف وجوه اللغة وسبل أدائها من جهة أخرى,نحو(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) تبدأ " بما" فحولت اسم الموصول لأداة نفي.
وبهذا يتحقق الغرض الذي من أجله يُقرأ القرآن، ألا وهو الفهم والإدراك.
فإذا استطاع القارئ مراعاة وقفة عند نهاية العبارة، فإنه لا شكّ سوف يبدأ العبارة التي تليها على النحو الأكمل، فهو لا يبدأ إلاّ من حيث يتمّ به المعنى من جهة، وبما لا يباين اللغة وعلومها من جهة أخرى، وهو ما حرصت عليه العرب في أداء عباراتها واهتمت له في كلامها.
لتحميل الفيديو التقديمي اضغط هنا
لتحميل ملفات
البوربوينت اضغط هنا