باب اللامات ( أي تغليظها)
وَغَلَّظَ وَرْشٌ
فَتْحَ لاَمٍ لِصَادِهَا ... أَوِ الطَّاءِ أَوْ لِلظَّاءِ قَبْلُ تَنَزُّلا
التغليظ في هذا الباب زيادة عمل
في اللام إلى جهة الارتفاع، وضده ترك ذلك، ومنهم من يعبر عن تركه بالترقيق، وعن
التغليظ بالتفخيم، ثم التغليظ إشباع الفتحة في اللام، فلهذا لم يجئ في المكسورة
ولا المضمومة ولا الساكنة نحو: {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} ، {تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ} ،
{وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ}.
وبعضهم غلظ اللام من:
"صَلْصَالٍ"؛ لوقوعها بين حرفين مستعليين فالتغليظ عند الأكثر لا يقع
إلا في اللام المفتوحة، ولا فرق بين أن تكون مخففة أو مشددة نحو: "أَوْ
يُصَلَّبُوا"، "وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ".
وحكى مكي عن شيخه أبي الطيب ابن
غلبون أنه رقق المشددة بعد الظاء دون الصاد، وقوله: لصادها أي لأجل الصاد الواقعة
قبلها أو أضافها إليها؛ لاتصالها بها، أي إذا تنزل أحد هذه الأحرف الثلاثة قبل
اللام المفتوحة غلظت اللام، ولم يعتبر أبو الطيب ابن غلبون الطاء المهملة، واعتبر
قوم الضاد المعجمة أيضا نحو: {أَضْلَلْتُمْ} و {ضَلَلْنَا} .
ومنهم من اعتبر أيضا كل لام
مفتوحة بين حرفين مستعليين مطلقا نحو: "خَلَطُوا"،
و"أَخْلَصُوا"، و"غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ"،
"فَاسْتَغْلَظَ"، "مَاذَا خَلَقُوا"، وكل هذا قياس على رواية
ضعيفة نقلا ولغة والله أعلم.
إِذَا فُتِحَتْ أَوْ
سُكِّنَتْ كَصَلاتِهِمْ ... وَمَطْلَعِ أَيْضًا ثمَّ ظَلَّ وَيُوصَلا
أي شرط تأثير هذه الحروف
الثلاثة وهي: الصاد والطاء والظاء في التغليظ في اللام المفتوحة أن تكون مفتوحة أو
ساكنة فإن حرف الاستعلاء إذا فتح أو سكن عظم استعلاؤه بخلافة إذا انكسر أو انضم
نحو:
"فُصِّلَتْ"، و"عُطِّلَتْ"،
و"ظِلالٍ"، و"فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ".
فمثال الصاد المفتوحة:
"الصَّلاةِ".
ومثال الساكنة:
"فَيُصْلَبُ" والطاء نحو "طَلَّقْتُمُ"، و"مَطْلَعِ"،
والظاء نحو: "ظَلَمُوا"، و"إِذَا أَظْلَمَ".
ومثل الشاطبي -رحمه الله- بقوله
تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ} ، و {يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} .
وهذان وما أشبههما نحو:
"بَطَلَ"، و"فَصْلَ"، وقعت اللام فيها طرفا؛ فالمتوسطة نحو:
"صَلاتِهِمْ" و"مَطْلَعِ"مغلظة وصلا ووقفا، والمتطرفة مغلظة
وصلا، وأما في الوقف فقال أبو عمرو الداني: يحتمل وجهين؛ الترقيق والتفخيم؛
فالترقيق نظرا إلى السكون العارض بالوقف والتفخيم نظرا إلى الأصل، قال: وهو أوجه.
وَفي طَالَ خُلْفٌ
مَعْ فِصَالًا وَعِنْدَماَ ... يُسَكَّنُ وَقْفًا وَالمُفَخَّمُ فُضِّلا
أراد قوله تعالى: {أَفَطَالَ
عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} ، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} ، {فَإِنْ أَرَادَا
فِصَالًا} ، وكذلك: "يصالحا" وشبهه مما بين اللام فيه وبين حرف
الاستعلاء ألف فاصل وظاهر النظم يوهم اقتصار الخلاف على: "طَالَ"،
و"فِصَالًا".
ولو قال:
وفي طال خلف مع فصالا ونحوه ...
وساكن وقف والمفخم فضلا
لزال الإيهام.
قال الداني: في اللام وجهان:
التفخيم؛ اعتدادا بقوة الحرف المستعلي، والترقيق؛ للفاصل الذي فصل بينهما. قال:
والأوجه التفخيم؛ لأن ذلك الفاصل ألف والفتح منه.
قلت: وأما اللام المشددة نحو:
"ظل"، و"يُصَلَّبُوا"، فلا يقال فيها إنه فصَل بينها وبين حرف
الاستعلاء فاصل، فينبغي أن يجري الوجهان؛ لأن ذلك الفاصل أيضا لام أدغمت في مثلها
فصارا حرفا واحدا فلم تخرج اللام عن أن حرف الاستعلاء وليها وأما الذي سكن للوقف
فنحو: "أَنْ يُوصَلَ" إذا وقفت عليه ففيه وجهان سبق ذكرهما أي وعند الذي
يسكن في الوقف وقوله: وقفا مصدر في موضع الحال أي ذا وقف أي موقوفا عليه، وقوله:
والمفخم فضلا يعني في المسألتين المذكورتين كما نقلناه من كلام الداني.
فإن قلت: لم كان التفخيم أفضل
فيما سكن للوقف؟ ولقائل أن يقول: ينبغي أن لا يجوز التفخيم أصلا كما سبق في الراء
المكسورة أنها تفخم وقفا، ولا ترقق لذهاب الموجب للترقيق وهو الكسر وههنا قد ذهب
الفتح الذي هو شرط في تغليظ اللام وكلا الذهابين عارض.
قلت: سبب التغليظ هنا قائم وهو:
وجود حرف الاستعلاء وإنما فتح اللام شرط فلم يؤثر فيه سكون الوقف لعروضه وقوة
السبب، فعمل السبب عمله؛ لضعف المعارض وفي باب الوقف على الراء المكسورة زال السبب
بالوقف وهو الكسر فافترقا.
وَحُكْمُ ذَوَاتِ
الياَءِ مِنْهاَ كَهذِهِ ... وَعِنْدَ رُءُوسِ الآيِ تَرْقِيقُهَا اعْتَلا
منها أي من هذه الألفاظ التي
فيها اللام المستحقة للتفخيم، ويعني الكلمات المقصورة التي آخرها ألف منقلبة عن
ياء، ولا يقع ذلك في القرآن إلا مع الصاد وحدها في خمسة مواضع في سبحان: "يَصْلاهَا
مَذْمُومًا"، وفي الانشقاق: "وَيَصْلَى سَعِيرًا"، وفي الغاشية:
"تَصْلَى نَارًا"، وفي الليل: "لا يَصْلاهَا إِلَّا
الْأَشْقَى"، وفي تبَّتْ: "سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ"، وكذا:
"وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً".
في الوقف ففي تفخيم اللام وجهان
كالوجهين فيما سكن في الوقف وذلك أنه قد تقدم أن له في إمالة ذوات الياء وجهين فإن
أمال فلا تغليظ وإن لم يمل فالتغليظ فهما ذانك الوجهان، ويجوز أن يقال إن الخلاف
على قول من يميل ذوات الياء؛ لأن اللام جاورها ما يقتضي تغليظها وما يقتضي ترقيقها
لكن التغليظ يكون ههنا أولى من الإمالة؛ لأنه شبه الخلاف الذي هنا بالخلاف الذي
فيما سكن للوقف، وقد ذكر أن المفخم ثَم: فضل، فكذا ينبغي أن يكون هنا، وقد نص عليه
الداني في كتاب الإمالة فقال: والأوجَه هنا التفخيم، ولم يذكر مرجحا، وإنما فرق
بين هذا وبين رءوس الآي على ما سنذكره.
وأقول: سبب ترجيح التفخيم وجود
سببه سابقا وتقدم اللام المغلظة على الألف الممالة فعمل السبب عمله قبل وجود ما
تدخله الإمالة، ثم قال: وعند رءوس الآي أي إذا وجد مثل ذلك وهو ما يقتضي التغليظ
والإمالة في كلمة هي رأس آية من السور الإحدى عشرة المتقدم ذكرها غلبت الإمالة
التغليظ؛ لأن ورشا يميل رءوس الآي بلا خلاف؛ لمؤاخاة رءوس الآي، والتغليظ يخالف
بينها، وقد روي التغليظ، قال الداني: كلا الوجهين حسن جميل غير أن الترقيق أقيس
وأوجه.
قلت: فلهذا قال: ترقيقها اعتلا
أي اعتلى على التغليظ واستعمل الترقيق هنا بمعنى الإمالة وجملة ما وقع من ذلك في
رءوس الآي ثلاثة مواضع في سورة القيامة: {وَلا صَلَّى} ، وفي سبح: {فَصَلَّى} ،
وفي اقرأ: {إِذَا صَلَّى} ، وأما: "مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً"
ففيه التغليظ في الوصل؛ لأنه منون، وفي الوقف الوجهان السابقان، ولا تترجح الإمالة
وإن كان رأس آية؛ إذ لا مؤاخاة لآي قبلها ولا بعدها، قوله: كهذه أي كهذه المواضع
المذكورات في البيت السابق وهي ما في باب طال والمسكن وقفا.
وَكُلُّ لَدَى اسْمِ
اللهِ مِنْ بَعْدِ كَسْرَةٍ ... يُرَقِّقُهَا حَتَّى يَرُوقَ مُرَتَّلا
أي: وكل القراء وغيرهم أيضا
اجتمعوا على أن اللام من اسم الله تعالى إذا كان قبلها حرف مكسور أنهم يرققونها
والترقيق هنا ضد التغليظ، وليس المراد به الإمالة بخلاف قوله: وترقيقها اعتلا على
ما سبق واسم الله تعالى التزم فيه التغليظ؛ تفخيما له وتعظيما اختص بذلك اسمه
سبحانه من غير وجود حرف استعلاء فيه، فإذا وقع بعد كسرة رققت اللام؛ تحسينا للفظ
به، فهذا معنى قوله: حتى يروق مرتلا أي يروق في اللفظ به حال ترتيله؛ وذلك لكراهة
التصعد بعد التسفل، وأما سائر اللامات فمرققة مطلقا كالليل واللبن واللحم.
كَمَا فَخَّمُوهُ
بَعْدَ فَتْحٍ وَضَمَّةٍ ... فَتَمَّ نِظَامُ الشَّمْلِ وَصْلاً وَفَيْصَلا
الهاء في فخموه لاسم الله تعالى
ولو قال: فخموها يعني اللام كما قال: ترقيقها لكان جيدًا وقوله: وصلا وفيصلا حالان
من الهاء أي ذات وصل، و"فيصل" أي سواء كانت الحركات المذكورة على حروف
متصلة بالاسم العظيم أو على حروف منفصلة منه في كلمة أخرى فلا يتغير الحكم بشيء من
ذلك في الترقيق والتفخيم فمثال المتصل: "بِاللَّهِ"
و"لِلَّهِ" ومثال المنفصل: {بِسْمِ اللَّهِ} {قَالَ اللَّهُ} {رُسُلُ
اللَّهِ} .
وكذا يرقق بعد الكسر العارض نحو:
{قُلِ اللَّهُ} ، وهذا بخلاف ما
سبق في ترقيق الراء؛ فإنهم قالوا: لا يؤثر في ترقيقها كسرة مفصولة ولا عارضة،
والفرق أن المراد من ترقيق الراء إمالتها، وذلك يستدعي سببا قويا للإمالة، وأما
ترقيق اللام فهو الإتيان بها على ماهيتها وسجيتها من غير زيادة شيء فيها، وإنما
التغليظ هو الزيادة فيها، ولا تكون الحركة قبل لام اسم الله تعالى إلا مفصولة لفظا
أو تقديرا، وأما الحركة قبل الراء فتكون مفصولة وموصولة فأمكن اعتبار ذلك فيها
بخلاف اللام هذا كله فيما إذا وصلت اسم الله تعالى بما قبله فإن ابتدأت به فخمته؛
لأن الهمزة قبل اللام مفتوحة فهذه حركة متصلة وذلك كأول آية الكرسي ونحوه والراء
المرققة غير المكسورة كغير المرققة يجب بعدها التفخيم؛ لأن الترقيق لم يغير فتحها
ولا ضمها، وأما إذا وقع اسم الله تعالى بعد إمالة نحو قراءة السوسي: "ترى
الله".
ففيه وجهان: التفخيم كالذي بعد
الراء المرققة الغير المكسورة والترقيق؛ لأن في الراء بالإمالة شيئا من الكسر،
وقال شيخنا أبو الحسن: التفخيم أولى، وحكاه عن شيخه الشاطبي، وقال لي الشيخ أبو
عمرو: الترقيق أولى لأمرين؛ أحدهما: أن أصل هذه اللام الترقيق، وإنما فخمت للفتح
والضم ولا فتح ولا ضم هنا فعدنا إلى الأصل، والثاني: اعتبار ذلك بترقيق الراء في
الوقف بعد الإمالة على ما سبق في باب الراءات، وقوله تعالى: {رُسُلُ اللَّهِ
اللَّهُ} .
الاسم الأول: مفخم، والثاني:
مرقق، وقوله تعالى في أول إبراهيم: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ،
اللَّهِ}.
هو مرقق في الوصل ومفخم إذا
ابتدئ به سواء قرئ برفع الهاء أو بجرها والله أعلم.