-->
U3F1ZWV6ZTIxMjczMTA0OTU1X0FjdGl2YXRpb24yNDA5OTQ5MzAyNzQ=
recent
أخبار ساخنة

لقاء الأئمة ورش ونافع المدني رحمهما الله

 


الإمام ورش رحمه الله

‏قال ورْشٌ: خرجتُ من مصر إلى المدينة لأَقرَأ على نافع، فلما وصلتُ إلى المدينة، صرتُ إلى مسجد نافعٍ، فإذا هو لا تُطاقُ القراءةُ عليه من كثرة أبناء المهاجرين والأنصار، وإنما هو يُقرئُ ثلاثين، فجلستُ خلف الحلْقَةِ، فقلتُ لإنسان إلى جانبي: مَن أكبَرُ الناس عند نافع؟ فقال لي: كبيرُ الجعفريين، قال: فقلت: كيف به؟ فقال: أنا أجيءُ معك إلى منزله، فقام الرجلُ معي حتى أتى منزلَ كبير الجعفريِّين، فَدَقَّ البابَ، فخرَجَ إلينا شيخٌ تامٌّ من الرجال، فقلتُ: أصلحَكَ الله، أنا رجلٌ من مصرَ، جئتُ لأقرأ على نافع، فلم أصِلْ إليه، وأُخبِرْتُ أنك من أصدق الناس له، وأنا أريدُ أن تكون الوسيلةَ إليه، قال: فقال: نعَمْ وكرامةً، فأخذ طيلَسَانه، ومضى معنا إلى منزل نافع، وكان نافعٌ له كنيتان: كان يُكنى أبا رُوَيم، وأبا عبد الله، فبأيهما نودِيَ أجابَ، فقال له الجعفريُّ: إنَّ هذا وسيلتي إليك، جاء من مصرَ ليقرأ عليك، ليس معه تجارةٌ، ولا جاء للحج، وإنما جاء للقراءة خاصةً، فقال نافعٌ لصديقه الجعفري: ترى ما أَلْقَى من أبناء المهاجرين والأنصار؟! قال: فقال صديقه: تحتالُ له! قال: فقال لي نافعٌ: أيمكنُكَ أن تبيت في المسجد؟ قال: قلتُ: نعَم، إنما أنا إنسانٌ غريبٌ، قال: فبِت في المسجد، فلما كان الفجرُ، تقاطرَ الناسُ ثم قالوا: قد جاء نافعٌ، فلما أن قعد قال: ما فعل الغريب؟ قال: قلتُ: ها أنا ذا يرحمُكَ الله، قال: أَبِتَّ في المسجد؟ قلتُ: نعَم، قال: فأنت أولى بالقراءة، قال: وكنتُ مع ذلك حسنَ الصوت مَدَّاداً به، قال: فاستفتَحْتُ، فَعَلاَ صوتي مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقرأتُ ثلاثين آيةً، فقال بيدِه: أن اسكُتْ، فسَكَتُّ، فقام إليه شابٌّ من الحلْقة فقال: يا مُعَلِّمُ: أعزكَ الله، نحن معك، وهذا رجلٌ غريبٌ، وإنما وصل للقراءة عليك، وأنت تُقرِئ ثلاثين آيةً، وأنا أحبُّ أعزك الله أن تجعلَ لي فيه نصيباً، وقد وهبْتُ له عشراً، وأقتصرُ أنا على عشرين، وكان ذلك الفتى ابن كبير المهاجرين، فقال: نعَم وكرامةً، ثم قال: اقرأ، فقرأتُ عشراً، ثمَّ أومأ إليَّ بيده أن اسكُتْ، فسَكَتُّ، فقام إليه فتىً آخرُ فقال: يا مُعَلِّمُ: أعزَّكَ الله، إني أحبُّ أن أهب لهذا الرجل الغريب عشراً، وأقتصر أنا على عشرين، فقد تفضل عليه ابنُ كبير المهاجرين، وأنت تعلم أني ابنُ كبير الأنصار، فأحببتُ أن يكون لي أنا أيضاً مثل ما له من الثواب، فلما أن قرأتُ خمسين آيةً، حتى لم يبقَ أحدٌ ممن له قراءةٌ، قال لي: اقرأ، فأقرأني خمسين، فما زلتُ أقرَأُ عليه خمسين في خمسين، حتى قرأتُ عليه ختَماتٍ قبل أن أخرجَ من المدينة».

توفي نافعٌ، وتوفي ورشٌ، وتوفي الطلبة المتبرِّعون بحصتهم، وخلَّد الله رواية ورش عن نافع حتى اليوم، فثقُلت موازين أولئك الخمسة، وظلت حصصهم التي تبرَّعوا بها للغَريب وقفًا جاريًا عليهم إلى يوم الدين... وما هذه بأوحد بركات الإيثار..

هكذا الظاهرُ من طالب العلم، ينافِس ويُسابق، لكنَّه يُؤثِرُ، ويحبُّ لغيرِه ما يحبُّ لنفسه، ويوقنُ أن اشتراك الناس معه في مصادر معرفته ينفعُهم ولا يضرُّه..

أما مُشَوَّه القصد في طلب العلم فلا يرضى لأحد مشاركتَه، ولكن يتفنَّن في قطع الطريق والتفرُّد، فيضعه الله من حيث طلب رفعة نفسه.

ليس العجَب من خلود رواية ورش فحسب، إنما العجبُ العُجَابُ توفيقِ الله لهؤلاء الفِتْيَةِ الَّذِينَ ألْهمَهُم إيثَارَ هذا الغريبِ بحصَّتهم، فتمضي قريبٌ من ١٢٥٠ عامًا، وروايةُ هذَا الغريبِ الذي آثَروهُ يُتَعَبَّد بها اللهُ لفظًا ورَسْمًا وصلاةً، وثوابُ كل ذلك قسمة بينهم مع ورش ونافع دون أن ينقص من أجورهم شيء..!

قال الله (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)

 


الاسمبريد إلكترونيرسالة